الأحد، 31 أكتوبر 2010

فــي الـــعـــشـــق

الحب عبارة عن : ميل الطبع إلى الشي الملذ . فإن تأكد ذلك الميل وقوي سمي عشقاً فيجاوز إلى أن يكون رقيقاً لمحبوبه وينفق ما يملك لأجله ألا ترى زليخا بلغ بها من محبة يوسف عليه السلام أن ذهب مالها وجمالها وكان لها من الجواهر والقلائد وقر سبعين جملاً وقد أنفقتها كلها في محبة يوسف عليه السلام وكل من قال رأيت يوسف اليوم أعطته قلادة تغنيه حتى لم يبق لها شي وكانت تسمي كل شي بإسم يوسف وقد نسيت كل شي سواه من فرط العشق وإذا رفعت رأسها إلى السماء رأت اسم يوسف مكتوباً على الكواكب من شدة حبها له , وروي أنها آمنت تزوجت به عليه السلام انفردت عنه وتخلت للعبادة وانقطعت إلى الله تعالى فكان يدعوها على فراشه نهاراً فتدافعه إلى الليل فإذا دعاها ليلاً سوفت به النهار وقالت يا يوسف إنما كنت أحبك قبل أن أعرفه فأما إذا عرفته فما أبقت محبته محبة لسواه وما أريد به بدلاً حتى قال لها إن الله جل ذكره أمرني بذلك وأخبرني أنه مخرج منك ولدين وجاعلهما نبيين فقالت أما إذا كان الله تعالى أمرك بذلك وجعلني طريقا إليه في فطاعة لأمر الله تعالى فعندها سكنت إليه .

وحكي عن مجنون ليلى قيل له ما أسمك قال ليلى وقيل له يوماً ليلى قد ماتت قال إن ليلى في قلبي لم تمت أنا ليلى ومر يوماً على دار ليلى فنظر إلى تاسماء فقيل له يا مجنون ليلى لا تنظر إلى السماء ولكن أنظر إلى جدار ليلى تراها قال أنا أكتفي بنجم يقع ظله على دار ليلى.

روي أن صدق المحبة في ثلاث خصال أن يختار كلام حبيبه على كلام غيره ويختار مجالسة حبيبه على مجالسة غيره ويختار رضا حبيبه على رضا غيره ...كذا في المنتهى. وقيل العشق هتك الأستار وكشف الأسرار , والوجد عجز الروح عن احتمال غلبة الشوق عند وجود حلاوة الذكر حتى لو قطع عضو من أعضائه لا يحس ولا يشعر.

وحكي أن رجلاً كان يغتسل في الفرات فسمع رجلاً يقرأ [ وَامتاَزُوا اليَوم أيُها المُجرِمُونَ ] فلم يزل يضطرب حتى غرق ومات . وعن محمد بن عبدالله البغدادي قال رأيت شاباً على سطح مرتفع قد أشرف على الناس وهو يقول من مات عاشقاً فليمت هكذا لا خير في عشق بلا موت ثم رمى نفسه فحمل ميتاً.

وسئل بعض المشايخ عن المحب فقال قليل الخلطة كثير الخلوة  دائم الفكرة ظاهر الصمت لا يبصر إذا نظر ولا يسمع إذا نودي ولا يفهم إذا كُلم ولا يحزن إذا أصيب بمصيبة وإذا أصيب بجوع فلا يدري ولا يشعر ويشتم ولا يخشى , يلجئ إلى الله تعالى في خلوته ويأنس به ويناجيه ولا ينازع أهل الدنيا في دنياهم وقد قال أبو تواب النخشبي في علامات المحبة أبياتاً:

لا تـخــدعـن فـللحـبـيـب دلائــل           ولديه من تحف الحبيب وسائل
مـنـهــا تـنـعـمــه بـمــر بـلائـــه           وســروره في كـل ماهو فاعـل 
فـالـمـنـع مـنـه عـطـيـة مـقـبولة           والـفــقـر إكـرام وبـرٌ عــاجــل
ومن الدلائل أن ترى من عزمه           طـوع الـحبـيب وإن ألح العاذل 
ومن الدلائل أن يرى متبسمـــاً             والـقلب فـيه مـن الحبيب بلابل
ومن الدلائل أن يرى متفهمــــاً             لكلام من يـحـظى لـديه السائل
ومن الدلائل أن يرى متقشفــــاً             مـتـحـفـظـاً مـن كل ماهو قائل

 مر عيسى عليه السلام بشاب يسقي بستاناً فقال الشاب لعيسى عليه السلام سل ربك أن يرزقني من محبته مثقال ذرة فقال عيسى لا تطيق مقدار ذرة فقال نصف ذرة فقال عيسى عليه السلام يا رب ارزقه نصف ذرة من محبتك فمضى عيسى عليه السلام فلما كان بعد مدة طويلة مر بمحل الشاب فسأل عنه فقالوا جن وذهب إلى الجبال فدعا الله عيسى عليه السلام  أن يريه إياه فرآه بين الجبال فوجده قائماً على صخرة شاخصاً طرفه إلى السماء فسلم عليه عيسى عليه السلام فأوحى الله تعالى إلى عيسى كيف يسمع كلام الآدميين من كان في قلبه مقدار نصف ذرة من محبتي فوعزتي وجلالي لو قطعته بالمنشار لما علم ذلك.

من ادعى ثلاثة ولم يتطهر من ثلاثة فهو مغرور أولها من ادعى حلاوة ذكر الله وهو يحب الدنيا , وثانيها من ادعى محبة الاخلاص في العمل ويحب تعظيم الناس له , وثالثهما من ادعى محبة خالقه من غير إسقاط نفسه : وقال صلى الله عليه وسلم : سيأتي زمان على أمتي يحبون خمساً وينسون خمساً : يحبون الدنيا وينسون الآخرة , ويحبون المال وينسون الحساب , ويحبون الخلق وينسون الخالق , ويحبون الذنوب وينسون التوبة , ويحبون القصور وينسون القبور .

قال تعالى [ يَوم لا يَنفعُ مالٌ ولا بنونَ * إلا مَن أتَى الله بِقَلبٍ سَليمٍ ] اللهم ارزقنا التوبة قبل الموت ونبهنا عند الغفلة وانفعنا بشفاعته نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . صفة المؤمن أن يتوب من يومه ومن ساعته ويندم على ما فعل من ذنوبه ويرضى بالقوت في من الدنيا ولا يشتغل من بالدنيا بل يشتغل للآخرة ويعبد الله تعالى بالأخلاص .

وحكي أن آسية عليها السلام امرأة فرعون كانت تكتم إيمانها من فرعون فلما اطلع فرعون على إيمانها أمر بها أن تعذب فعذبوها بأنواع العذاب وقال ارتدي فلم ترتد فأتى بأوتاد وضربوها على أعضائها ثم قال ارتدي فقالت إنك تعلم بنفسي وقلبي في عصمة ربي لو قطعتني إرباً ما ازددت إلا حباً فمر موسى عليه السلام بين يديها فنادت موسى أخبرني أراض عني ربي أم ساخط قال موسى عليه يا آسية ملائكة السموات في انتظارك أي مشتاقة إليك والله يباهي بك فسأليني حاجتك فإنها مقضية فقالت [ رَب ابنِ لي عِندَكَ بَيتاً في الجَنةِ وَنَجنِي من فِرعونَ وعَملِهِ وَنَجنِي مِنَ القَومِ الظالِمِينَ ]<سورة التحريم> .
وعن سلمان رضي الله عنه قال كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها وكانت ترى بيتها في الجنة . وعن أبي هريرة أن فرعون وتد لامرأته أربعة أوتاد وأضجعها وجعل صدرها رحى واستقبل بها عين الشمس فرفعت رأسها إلى السماء وقالت [ رَب ابنِ لي عِندَكَ بَيتاً في الجَنةِ ]الآيه ... قال الحسن فنجاها الله ورفعها في الجنة فهي تأكل وتشرب . وفيه دليل على أن الاستعاذة بالله والالتجاء إليه ومسألة الخلاص منه عند المحن والنوازل من سير الصالحين .



(( وقل ربي زدني علماً ))

السبت، 30 أكتوبر 2010

فـــي الــمــحــبــة

حكي أن رجلاً كان غافلاً عن الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فرأى النبي عليه الصلاة والسلام في منامه ولم يلتفت إليه فقال يا رسول الله أأنت علي غضبان قال لا قال فلم لا تنظر إلي قال لإني لا أعرفك فقال كيف لا تعرفني وأنا رجل من أمتك وقد روى العلماء أنك أعرف بأمتك من الوالدة بالولد فقال صدقوا ولكن إنك لا تذكرني بالصلاة إن معرفتي بأمتي بقدر صلاتهم علي ثم انتبه الرجل وأوجب على نفسه أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كل يوم مائة مرة ففعل ذلك ثم رآه في المنام فقال اعرفك الآن وأشفع لك أي لأنه صار محباً لرسول الله انتهى.
قال صلى الله عليه وسلم : الصلاة علي نور على  الصراط ومن صلى علي يوم الجمعة ثمانين مرة غفر الله له ذنوب ثمانين عاماً.

قال تعالى [ قل إن كنتم تحبون الله ] الآيه... سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا كعب بن الأشرف وأصحابه إلى الإسلام قالوا في المنزلة أبناء الله ولنحن أشد حباً لله . فقال الله تعالى لنبيه [ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني ] على ديني فإني رسول الله أؤدي رسالته إليكم وحجته عليكم [ يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ]<آل عمران>   وحب المؤمنين لله اتباعهم أمره وإيثار طاعته وابتغاء مرضاته وحب الله للمؤمنين ثناؤه عليهم وثوابه لهم وعفوه عنهم وإنعامه عليهم برحمته وعصمته وتوفيقه. قال الإمام في إحيائه من ادعى أربعاً من غير أربع فهو كذاب: من ادعى حب الجنة ولم يعمل على بالطاعة فهو كذاب , ومن ادعى حب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحب العلماء والفقراء فهو كذاب , ومن ادعى الخوف من النار ولم يترك المعاصي فهو كذاب , ومن ادعى حب الله تعالى وشكا من البلوى فهو كذاب كما قالت رابعة:

تعصي الإله وأنت تظهر حبه             هذا بعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقـاً لأطـعتـه             إن المحب لمن يحب مطيـع

وعلامة المحبة موافقة المحبوب واجتناب خلافه .

حكي أن جماعة دخلوا على الشبلي رحمه الله تعالى فقال من أنتم قالوا نحن أحباؤك فأقبل ثم رماهم بالحجارة فهربوا منه فقال لم تهربون مني لو كنتم أحبائي لما فررتم من بلائي ثم قال الشبلي رحمه الله أهل المحبة شربوا بكأس الوداد فضاقت عليهم الأرض والبلاد وعرفوا الله حق معرفته وتاهوا في عظمته وتحيروا في قدرته وشربوا بكأس حبه وغرقوا في بحر انسه وتلذذوا بمناجاته ثم أنشد:

وذكر المحبة يا مولاي أسكرني             وهل رأيت محباً غير سكرانٍ

وعن علي كرم الله وجهه قال: من اشتاق إلى الجنة سارع في الخيرات , ومن خاف من النار نهى نفسه عن الشهوات . ومن تيقن الموت هانت عليه اللذات .


(( وقل ربي زدني علماً ))

الجمعة، 29 أكتوبر 2010

في الــتــوبــة

التوبة واجبة على كل مسلم ومسلمة قال تعالى [ تُوبُوا إلى الله تَوبَةً نصُوحاً ] والأمر للوجوب . قال تعالى [ ولا تكُونُوا كاَلذين نَسُوا الله ] يعني عاهدوا الله ونبذوا كتابه وراء ظهورهم [ فَأنسَاهُم أنفُسَهُم ] يعني أنساهم حالهم حتى لم ينهوا أنفسهم ولم يقدموا لها خيراً . قال صلى الله عليه وسلم : (( من أحب لقاء الله أحب لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ))  قال تعالى [ أولئِك هُمُ الفَاسِقُونَ ] يعني العاصون الناقضون عهدهم أي الخارجون عن طريق الهداية والرحمة والمغفرة , والفاسق على نوعين فاسق كافر وفاسق فاجر , فالفاسق الكافر هو من لم يؤمن بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وخرج عن الهداية ودخل في الضلالة كما قال الله تعالى [ فَفَسَقَ عَن أَمرِ رَبهِ ] يعني خرج عن طاعة أمر ربه بالإيمان , والفاسق الفاجر هو الذي يشري الخمر ويأكل الحرام ويزني ويعصي الله تعالى ويخرج من طريق العبادة ويدخل في المعصية ولا يأتي بالشرك , والفرق بينهما أن الفاسق الكافر لا يرجى غفرانه بالتوبة إلا بالشهادة والتوبة قبل الموت , والفاسق الفاجر يرجى غفرانه بالتوبة والندامة قبل الموت فإن كل معصية أصلها من الشهوة النفسية يرجى غفرانها وكل معصية أصلها من الكبر لا يرجى غفرانها , ومعصية إبليس كان أصلها من الكبر فينبغي لك أن تتوب من ذنوبك قبل الموت رجاء أن يقبلك الله كما قال تعالى [ وَهُوَ الذي يَقبَلُ التوبَةَ عَن عِبَادِهِ ويَعَفُو عن السيئاتِ ] الآية .... يعني يتجاوز عما عملوا بقبوله التوبة . وقال صلى الله عليه وسلم : (( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )).
وذكر أبو هريرة رضي الله عنه قال خرجت ذات ليلة بعدما صليت العشاء الآخرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بامرأة في الطريق فقالت أبا هريرة إني ارتكبت ذنباً فهل لي من توبة فقلت وما ذنبك قال إني زنيت وقتلت ولدي من الزنا فقلت لها هلكت وأهلكت والله مالك من توبة فخرت مغشياً عليها فقلت في نفسي أفتي رسول الله عليه الصلاة والسلام بين أظهرنا فرجعت إليه فأخبرته بذلك فقال هلكت وأهلكت فأين أنت من هذه الآيه [ والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ] إلى قوله [ فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ]<سورة الفرقان> الآية... فخرجت وقلت من يدلني على امرأة سألتني مسئلة والصبيان يقولون جن أبو هريرة حتى أدركتها وأخبرتها بذلك فشهقت شهقة من السرور وقالت إن لي حديقة جعلتها صدقة لله ورسوله.

حكي عن عتبه الغلام رحمه الله تعالى وكان من أهل الفسق والفجورمشهوراً بالفساد وشرب الخمر فدخل يوما في مجلس الحسن البصري وهو يقرأ في تفسير قوله تعالى [ أَلَم يَأنِ للذِينَ آمنُوا أن تَخشَعَ قُلُوبُهُم لِذكِر اللهِ ]<سورة الحديد>  يعني ألم يجيء وقت تخاف قلوبهم ؟؟ فوعظ الشيخ في تفسيره هذه الآيه وعظاً بليغاً حتى أبكى الناس , فقام من بينهم الشاب فقال يا تقي المؤمنين أيقبل الله تعالى الفاسق الفاجر مثلي إذا تاب ؟ فقال الشيخ نعم يقبل الله توبة فسقك وفجورك فلما سمع عتبة الغلام هذا الكلام اصفر وجهه وارتعدت فرائصه ثم دنا منه الحسن البصري وقال هذه الابيات :

أيـا شـابـاً لرب الـعرش عاصـي            أتـدري مـا جزاء ذوي المعاصـي
ســعــيــر لـلـعـصـاة لـهـا زفـيـر            وغـيـظ يـوم يـؤخـذ بـالـنـواصـي
فإن تصبر على النيران فأعصه             إلا كـن عـن الـعـصـيـان قـاصـي
وفـيـمـا قـد كـسـبـت من الخطايا             رهنت النفس فاجهد في الخلاص

فصاح عتبة صيحة عظيمة وخر مغشياً عليه فلما أفاق قال يا شيخ هل يقبل الرب الرحيم توبة لئيم مثلي؟ فقال الشيخ هل يقبل توبة العبد الجافي إلا الرب المعافي ؟ ثم رفع رأسه ودعا ثلاث دعوات : الأولى قال آلهي إن كنت قد قبلت توبتي وغفرت ذنوبي فأكرمني بالفهم والحفظ حتى أحفظ كل ما سمعت من العلم والقرآن , والثانية : قال آلهي أكرمني بحسن الصوت حتى أن كل من سمع قراءتي يزداد رقة في قلبه وإن كان قاسي القلب , والثالثة : قال آلهي أكرمني بالرزق الحلال من حيث لا أحتسب . فاستجاب الله له جميع دعائه حتى زاد فهمه وحفظه وكان إذا قرأ القرآن تاب كل من سمع قراءته . وكان يوضع في بيته كل يوم قصعة من المرق ورغيفان ولا يدري أحد من يضعها وكان على هذه الحال حتى فارق الدنيا .... وهذا حال من أناب إلى الله تعالى , لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.



(( وقل ربي زدني علماً ))

الخميس، 28 أكتوبر 2010

فــي نــســيــان الله تــعــالــى والــفــسق والــنـفــاق

سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المؤمن والمنافق فقال المؤمن همه في الصلاة والصيام والمنافق همه في الطعام والشرب كالبهيمه وترك العبادة والصلاة والمؤمن مشغول بالصدقة وطلب المغفرة , والمنافق مشغول بالحرص والأمل , والمؤمن آيس من كل أحد إلا من الله والمنافق راج لكل أحد الا الله , والمؤمن يقدم ماله دون دينه والمنافق يقدم دينه دون ماله, والمؤمن آمن من كل أحد الا من الله والمنافق خائف من كل احد الا من الله والمؤمن يحسن ويبكي , والمنافق يسيء ويضحك والمؤمن يحب الخلوة والوحدة , والمنافق يحب الخلطة والملأ , والمؤمن يزرع ويخشى الفساد والمنافق يقلع ويرجوا الحصاد والمؤمن يأمر وينهى عن المنكر ويصلح , والمنافق ينهى بالمعروف ويامر بالمنكر كما قال الله تعالى [ المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم ] <سورة التوبة>  . وقال تعالى [ إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً ] الآية... يعني ان ماتوا على كفرهم ونفاقهم فبدأ بالمنافقين لأنهم شر من الكفار وجعل مأواهم جميعاً النار وقال تعالى [ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً ] <سورة النساء> الآيه... والمنافق اشتقاقه في اللغه نافقاء اليربوع ويقال إن لليربوع حجرتين إحداهما النافقاء والاخرى القاصعاء فيظهر نفسه في إحداهما ويخرج من الأخرى , ولهذا سمي المنافق منافقاً لانه يظهر نفسه أنه مسلم ويخرج من الاسلام إلى الكفر.

وفي الحديث : مثل المنافق كمثل الشاة ترى بين قطيعين من الغنم تارة تسير إلى هذا القطيع وتارة إلى هذا القطيع ولا تسكن في لواحد منهما لأنها غريبة ليست منهما . وكذلك المنافق لا يستقر مع المسلمين بالكلية ولا مع الكافرين.

إن الله خلق النار ولها سبعة أبواب كما قال الله تعالى [ لها سبعة أبواب ]<سورة الحجر> الآيه... من حديد مطبقة باللعنة وعليها ظهارة النحاس وبطانة الرصاص في أصلها العذاب وفوقها السخط وأرضها من نحاس وزجاج وحديد ورصاص , النار من فوق أهلها النار من تحتهم  والنار عن أيمانهم وشمائلهم , طبقاتها بعضها فوق بعض أعد للمنافقين منها الدرك الأسفل . وجاء في الخبر ان جبريل أتى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : يا جبريل صف لي النار وحرها فقال ان الله عز وجل خلق النار فأوقدها ألف عام حتى احمرت ثم أوقدها ألف عام حتى أبيضت ثم أوقدها ألف عام حتى فهي سوداء مظلمة والذي بعثك بالحق نبياً لو أن ثوباُ من ثياب أهل النار ظهر لأهل الأرض لماتوا جميعاً ولو أن دلواً من شرابها صب على ماء الأرض جميعه لقتل من ذاقه ولو أن ذراعا من السلسلة التي ذكرها الله تعالى بقوله [ في سلسلةٍ ذرعها سبعون ذراعاً ] الآية ... كل ذراع طوله من المشرق إلى المغرب لو وضع على جبال الدنيا لذابت ولو أن رجلاً دخل النار ثم أخرج منها لمات أهل الأرض من نتن ريحه. وسأل صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام فقال ياجبريل صف لي أبواب جهنم أهي كأبوابنا هذه فقال يا رسول الله لا ولكنها طباق بعضها أسفل من بعض , من الباب إلى الباب مسيرة سبعين سنة كل باب منها أشد حراً من الذي يليه بسبعين ضعفاً . وسأله أيضاً عن سكان هذه الأبواب فقال أما الأسفل ففيه المنافقون واسمه الهاوية كما قال تعالى [ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار] والباب الثاني فيه المشركون واسمه الجحيم , والباب الثالث فيه الصائبون واسمه سقر, والباب الرابع فيه إبليس عليه لعنة الله ومن تبعه من المجوس واسمه لظى , والباب الخامس فيه اليهود واسمه الحطمة , والباب السادس فيه النصارى واسمه السعير , ثم أمسك جبريل عليه السلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تخبرني عن سكان الباب السابع فقال جبريل يا محمد لا تسألني عنه فقال له أخبرني عنه فقال فيه أهل الكبائر من أمتك الذين ماتوا ولم يتوبوا .

روي أنه لما نزل الله تعالى [ وإن منكم إلا وارِدُها ] اشتد خوفه صلى الله عليه وسلم على أمته وبكى بكاءً شديداً فالعارف الله بشدة سطوته وقهره يخافه خوفاً شديداً ويبكي على نفسه وتفريطه قبل أن يرى هذه الشدائد ويعاين هذه الدار المخوفة وقبل أن تنتهك الأستار ويعرض على المنتقم الجبار ويؤمر به أهل النار , فكم من شيخ ينادي في النار واشيبتاه , وكم من شاب ينادي في النار واشباباه , وكم من امرأة تنادي في النار وافضيحتاه واهتك ستراه وقد اسودت وجوههم واجسادهم وانكسرت ظهورهم فلا يكرم كبيرهم ولا يرحم صغيرهم ولا تستر نساؤهم . اللهم أجرنا من النار ومن عذاب النار ومن كل عمل يقربنا إلى النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار برحمتك يا عزيز يا غفار اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا وأقلنا من عثراتنا ولا تفضحنا بين يديك يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.  

(( وقل ربي زدني علماً )) 

الأربعاء، 27 أكتوبر 2010

في الغفلة

الغفلة تزيد الحسرة الغفلة تزيل النعمة وتحجب عن الخدمة الغفلة تزيد الحسد الغفلة تزيد الملامة والندامة.


حكي أن بعض الصالحين رأى أستاذه في المنام فسأله أي الحسرة أعظم عندكم فقال حسرة الغفلة .


أنت في غفلة وقلبك ساهي           ذهب العمر والذنوب كما هي


وفي زهر رياض الصالحين كان يعقوب عليه السلام مؤاخياً لملك الموت فزاره , فقال له يعقوب عليه السلام يا ملك الموت أزائراً جئت أم قابضاً روحي فقال بل زائراً قال فإني أسألك حاجة قال له وما هي قال أن تعلِمني إذا دنا أجلي وأردت أن تقبض روحي فقال نعم أرسل إليك رسولين أو ثلاثة فلما انقضى أجله أتى إليه ملك الموت فقال أزائراً جئت أم لقبض روحي فقال لقبض روحك فقال أولست كنت أخبرتني أنك ترسل إلي رسولين أو ثلاثة قال قد فعلت بياض شعرك بعد سواده , وضعف بدنك بعد قوته , وانحناء جسمك بعد استقامته , هذه رسلي يا يعقوب إلى بني آدم قبل الموت:


مضى الدهر والأيام والذنب حاصل       وجاء رسول الموت والقلب غافل
نعيمك في الدنيـا غــرورٌ وحـســرة       وعـيـشـك في الدنيا محالٌ و باطل


وفي عيون الأخبار ذكر شقيق البلخي انه قال الناس يقولون ثلاثة أقوال وقد تألفوها في أعمالهم : يقولون نحن عبيد الله وهم يعملون عمل الأحرار وهذا خلاف قولهم . ويقولون إن الله كفيل بأرزاقنا ولا تطمئن قلوبهم إلا بالدنيا , وجمع حطامها : وهذا أيضاً خلاف قولهم. ويقولون لا بد لنا من الموت وهم يعملون عمل من لايموت وهذا أيضاً خلاف قولهم . فأنظر لنفسك يا أخي بأي بدن تقف بين يدي الله تعالى وبأي لسان تجيبه وماذا تقول إذا سألك عن القليل والكثير فأعد للسؤال جواباً وللجواب صواباً واتقوا الله إن الله خبير بما تعلمون أي من الخير والشر ثم وعظ المؤمنين بأن لا يتركوا أمره وبأن يوحدوه سراً وعلانيةً.


جاء في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مكتوب على ساق العرش أنا مطيع من أطاعني ومحب من أحبني ومجيب من دعاني وغافر لمن استغفرني فينبغي للعاقل أن يطيع الله بالخوف والاخلاص في طاعته والرضا بقضائه والصبر على بلائه بالشكر على نعمائه والقناعة بإعطائه , يقول الله عزوجل : من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي ولم يشكر على نعمائي ولم يقنع بعطائي فليطلب رباً سوائي .


وفي رونق المجالس ضاع لرجل جوالق فلم يدر من أخذه منه فلما دخل في الصلاة تذكر فلما سلم قال لغلامه اذهب إلى فلان بن فلان واسترد منه الجوالق فقال له الغلام متى ذكرته فقال حين كنت في الصلاة فقال يا مولاي كنت طالب الجوالق لا طالب الخالق فأعتقه مولاه ببركة اعتقاده .فينبغي للعاقل ان يترك الدنيا ويتفكر امامه وعمل لآخرته كما قال الله تعالى : [ من كان يريد حرث الأخرة نزد لهُ في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا ] أي ملاذها من لباسها وطعامها وشرابها [ نُؤِتِه منها وما له في الآخرة من نصيب ] وذلك أن ينزع الله من قلبه حب الأخرة ,ولذلك أنفق أبو بكر الصديق رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم ما يقارب أكثر من أربعين ألف دينار في السر وأربعين ألف دينار في العلانية حتى لم يبق له شي وكان صلى الله عليه وسلم معرضاً عن الدنيا وشهواتها ولذاتها هو وأهله ولذلك كان جهاز السيدة الزهراء رضي الله عنها لما زوجها النبي صلى الله عليه وسلم من علي جلد كبش مدبوغ ووسادة أدم حشوها ليف .

تـفكرت في حشـري ويـوم قـيـامـتـي            وأصباح خدي في المقابر ثاوياً
فــريــداً وحــيـداً بــعــد عــز ورفعة            رهيـناً بجرمي والتراب وساديا
تفكـرت في طول الحساب وعرضه            وذل مــقـامي حين أعطى كتابيا
ولــكــن رجائي فيـك ربـي خـالـقـي            بـأنـك نـعـفـو يـا آلـهـي خـطائيا.

(( وقل ربي زدني علماً ))

الاثنين، 25 أكتوبر 2010

في غلبة النفس وعداوة الشيطان

ينبغي للعاقل أن يقمع شهوة النفس بالجوع إذ الجوع قهر لعدو الله , قال الرسول صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع , إن اقرب الناس إلى الله يوم القيامة من طال جوعه وعطشه . وأعظم المهلكات لابن آدم شهوة البطن فبها أخُرِج آدم وحواء من دار القرار إلى دار الذل والافتقار إذ نهاهما عن أكل تلك الشجرة فغلبتهما شهوتهما حتى اكلا فبدت لهما سوآتهما. والبطن على التحقيق ينبوع الشهوات

.
وقال بعض الحكماء من استولت عليه النفس صار أسيراً في حب شهواتها محصوراً في سجن هفواتها ومنعت قلبه من الفوائد , من سقى ارض الجوارح بالشهوات فقد غرس في قلبه شجرة الندامة. إن الله تعالى خلق الخلق على ثلاثة ضروب خلق الملائكة فيهم العقل ولم يركب فيهم الشهوة وخلق البهائم ولم يركب فيها العقل وخلق آدم وركب فيه فيه العقل والشهوة فمن غلبت شهوته عقله فالبهائم خير منه ومن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة.
الشهوه تصير الملوك عبيداً والصبر يصير العبيد ملوكاً ألا ترى إلى قصة يوسف عليه السلام وزليخا فقد صار يوسف سلطان مصر بصبره وصارت زليخة ذليلة عجوزاً عمياء لاجل شهوتها فإن زليخة لم تصبر على محبة يوسف عليه السلام.
وحكى ابو الحسن الرازي أنه رأى والده في منامه بعد ان مات بسنتين وعليه ثياب من القطران فقال له يا أبي مالي أرى عليك هيئة اهل النار فقال يا ولدي جذبتني نفسي الى النار فاحذر يا ولدي من خديعة نفسك :إني ابتليت بأربع ما سلطوا إلا لشدة شقوتي وعنائي
إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف الخلاص وكلهم أعدائي
وأرى الهوى تدعو إلبه خواطري في ظلمة الشهوات والآراءٍ قال حاتم الأصم رحمه الله : نفسي رباطي وعلمي سلاحي وذنبي خيبتي والشيطان عدوي وانا غادر بنفسي.
وقوله صلى الله عليه وسلم : أفضل الجهاد جهاد النفس: إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا إذا رجعوا من الجهاد مع الكفار قالوا رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر . وإنما سموا الجهاد الأكبر مع الهوى والنفس والشيطان لأن الجهاد معها أدوم من الجهاد مع عدو يراه أسهل من الجهاد مع عدو لا تراهولأن الشيطان معيناً من نفسك وهو الهوى وليس للكافر من نفسك معين فلذلك كان أشد ولأنك اذا قتلت الكافر تجد النصر والغنيمة وإن قتلك الكافر تجد الشهادة و الجنة. ولا تقدر أن تقتل الشيطان وإن قتلك الشيطان تقع في عقوبة الرحمن. كما قيل من فر منه فرسه في الحرب يقع بين ايدي الكفار ومن فر منه الإيمان يقع في غضب الجبار .

في الرياضة والشهوة النفسانية

أوحى الله إلى موسى عليه السلام : يا موسى إن أردت إن اردت أن أكون أقرب إليك من كلامك إلى لسانك ومن وسوسة قلبك إلى قلبك ومن روحك إلى بدنك ومن نور بصرك إلى عينيك ومن سمعك إلى أذنك فأكثر من الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى [ ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغد ] <سورة الحشر> . يعني ما عملت في يوم القيامة. اعلم ايها الانسان أ ن النفس أمارة بالسوء هي أعدى لك من ابليس وإنما يتقوى عليك الشيطان بهوى النفس وشهواتها فلا تغرنك نفسك بالأماني والغرور لأن طبع النفس الأمن والغفلة والراحة والفترة والكسل فدعواها باطل وكل شي منها غرور , وإن رضيت عنها واتبعت هواها هلكت وإن غفلت عن محاسبتها غرقت وإن عجزت عن مخالفتها واتبعت هواها قادتك الى النار , وليس للنفس مرجوع إلى الخير وهي رأس البلايا ومعدن الفضيحة وهي خزانة إبليس ومأوى كل شر لا يعرفها إلا خالقها واتقوا الله إن الله خبير بما تعلمون يعني من الخير والشر وإذا تفكر العبد فيما مضى من عمره في طلب آخرته كان هذا التفكر غُسل القلب كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : تَفَكٌرُ ساعةٍ خيرٌ من عبادة سنة. فينبغي للعاقل أن يتوب إلى الله من الذنوب الماضيه  ويتفكر فيما يقربه وينجو به في الدار الاخرة ويقصر الأمل ويعجل بالتوبة ويذكر الله تعالى ويترم المناهي ويصبر نفسه ولا يتبع الشهوات النفسانية فالنفس صنم . فمن عبد النفس فهو يعبد الصنم ومن عبد الله بالأخلاص فهو الذي قهر نفسه.

وروي أن مالك بن دينار كان يمشي في سوق البصرة فرأى التين فاشتهاه فخلع نعله وأعطاه البقال وقال أعطني التين فرأى البقال النعل وقال لا يساوي شيئا فمضى مالك , فقيل للبقال أليس تعرف من هذا ؟ قال لا قيل هو مالك بن دينار فحمل البقال الطبق على رأس غلامه وقال له إن قبل هذا منك فأنت حر فعدا الغلام خلف مالك بن دينار وقال له أقبل هذا مني فأبى فقال العبد أقبل فأنه فيه تحريري فقال له مالك ين دينار إن كان فيه تحريرك ففيه تعذيبي فألح الغلام عليه فقال مالك بن دينار حلفت أن لا أبيع الدين بالتين ولا آكل التين إلى يوم الدين.

قال سليمان بن داود عليهما السلام إن القاهر لنفسه أشد ممن يفتح المدينة وحده. وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ما أنا ونفسي إلا كراعي غنم كلما ضمها من جانب انتشرت من جانب آخر من أمات نفسه يلف في كفن الرحمة ويدفن في أرض الكرامة ومن أمات قلبه يموت في كفن اللعنة ودفن في أرض العقوبة.

قال أبو بكر مرضي الله عنه ما شبعت منذ أسلمت لأجد حلاوة عبادة ربي وما رويت منذ اسلمت اشتياقاً إلى لقاء ربي لأن في كثرة الأكل قلة العبادة لأنه إذا اكثر الأنسان الأكل ثقل بدنه وغلبته عيناه وفترت اعضاؤه فلا يجئ منه شي وإن اجتهد إلا النوم فيكون كالجيفة الملقاة كذا في منهاج العابدين.

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب فإن القلب يموت كالزرع إذا كثر عليه الماء . و أكثر العلماء قالوا ان الاكل الكثير يؤدي إلى قلة الفهم والعلم فإن البطنة تذهب الفطنة.

حكي عن يحيى عليه السلام  أن ابليس بدا له وعليه معاليق فقال له يحيى ماهذه قال الشهوات التي أصيد بها بني آدم قال يحيى هل تجد لي فيها شيئاً قال لا إلا أنك شبعت ذات ليلة فثقلناك عن الصلاة قال يحيى عليه السلام لا جرم أني لا أشبع بعدها أبداً فقال إبليس لا جرم أني لا أنصح احداً أبداً. فهذه فيمن لم يشبع في عمره إلا ليلة فكيف بمن لا يجوع في عمره ليلة ثم يطمع في العبادة. وقيل أيضاً عن يحيى عليه السلام أنه شبع فيها تلك الليلة فنام عن ورده فأوحى الله تعالى إليه يا يحيى هل وجدت داراً هي خيراً لك من داري أو وجدت جواراً هو خيرٌ لك من جواري .... وعزتي وجلالي لو اطلعت على الفردوس واطلعت على جهنم اطلاعة لبكيت صديد وللبست الحديد بدل المسوح.

(( وقل ربي زدني علماً ))

الأحد، 24 أكتوبر 2010

في الصبر والمرض

من أراد أن ينجو من عذاب الله وينال ثوابه ورحمته ويدخل جنته فلينه نفسه عن شهوات الدنيا وليصبر على شدائدها ومصائبها, كما قال الله تعالى [ والله يحب الصابرين ] والصبر على أوجه : صبر على طاعة الله وصبر عن محارمه وصبر عند المصيبة وعند الصدمة. فمن صبر على طاعة الله تعالى أعطاه الله يوم القيامة ثلثمائة درجة في الجنة كل درجة مابين السماء والارض , ومن صبر على المصيبة أعطاه الله يوم القيامة سبعمائة درجة في الجنة كل درجة مابين العرش إلى الثرى.

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يقول الله تعالى (( مامن عبد نزلت به بلية فاعتصم بي إلا أعطيته قبل أن يسألني واستجبت له قبل أن يدعوني , وما من عبد نزلت به بلية فاعتصم بمخلوق دوني إلا اغلقت أبواب السماء عليه )) فيجب على العاقل ان يصبر على البلاء ولا يشكو فينجو من عذاب الدنيا والآخرة, لأن أشد البلاء على الأنبياء والأولياء. قال الجنيد البغدادي رحمه الله : البلاء سراج العارفين ويقظة المريدين وصلاح المؤمنين وهلاك الغافلين ولا يجد حلاوة الايمان حتى يأتيه البلاء ويرضى ويصبر. قال صلى الله عليه وسلم من مرض ليلة فصبر ورضي عن الله تعالى خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه فإذا مرضتم فلا تتمنوا العافية. عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال إذا ابتلى الله العبد المؤمن بالسقم قال لصاحب الشمال ارفع القلم عنه وقال لصاحب اليمين اكتب لعبدي أحسن ماكان يعمل. وجاء في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم : إذا مرض العبد بعث الله إليه ملَكين فقال انظرا ما يقول عبدي فإن هو قال الحمدلله رفع ذلك إلى الله وهو أعلم فيقول لعبدي علي إن توفيته أن أدخله الجنة وإن أنا شفيته أن أبدله لحماً خيرا من لحمه ودماً خيراً من دمه وأن أكفر عنه سيآته.

حكي أنه كان في بني إسرائيل رجل فاسق وكان لا يمتنع عن الفسق حتى ضج أهل بلده وعجزوا عن منعه عن فسقه فتضرعوا إلى الله تعالى فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن في بني إسرائيل شاباً فاسقاً, فأخرجه من بلدهم حتى لا تقع عليهم النار بسبب فسقه, فجاء موسى عليه السلام فأخرجه فذهب الشاب إلى قرية من القرى فأمر الله تعالى موسى أن يخرجه من تلك القرية فأخرجه موسى عليه السلام فخرج إلى مفازة ليس فيها خلق ولا زرع ولا وحوش ولا طيور فمرض في تلك المفازة وليش عنده معين يعينه فوقع في التراب ووضع رأسه عليه وقال لو كانت والدتي عند رأسي لرحمتني ولبكت على فراقي ولو كان والدي حاضراً لاعانني وتولى أمري ولو كانت زوجتي حاضرة لبكت على فراقي ولو كان اولادي حاضرين عندي لبكوا خلف جنازتي ولقالوا اللهم أغفر لوالدنا الغريب الضعيف العاصي الفاسق المطرود من بلده إلى قرية ومن قرية إلى مفازة ومن المفازة يخرج من الدنيا إلى الأخرة آيساً من كل الاشياء. اللهم قطعتني عن والدي وأولادي وزوجتي فلا تقطعني من رحمتك فإنك أحرقت قلبي بفراقهم فلا تحرقني بنارك لاجل معصيتي فأرسل الله له حوراء على صفة أمه وحوراء على صفة زوجته وغلماناً على صفة اولاده وملكاً على صفة والده فجلسوا عنده وبكوا فقال إن هذا والدي ووالدتي وزوجتي وأولادي حضروا عندي وطاب قلبه ووصل إلى الرحمة الله طاهراً مغفوراً له فأوحى الله إلى موسى عليه السلام  اذهب إلى المفازة كذا وموضع كذا فإنه مات ولي من الاولياء فاحضره وتول أمره وواره , فلما حضر موسى عليه السلام ذلك الموضع رأى الشاب الذي كان أخرجه من البلد ومن القرية بأمرك فقال الله تعالى يا موسى إني رحمته وتجاوزت عنه بأنينه في موضعه وفراقه وطنه ووالدته ووالده واولاده وزوجته وأرسلت اليه حوراء على صفة أمه وحوراء على صفة زوجته وغلماناً على صفة اولاده وملكاً على صفة والده يترحمون على مذلته في غربته فإنه اذا مات الغريب بكى عليه أهل السموات واهل الارض رحمة له فكيف لا أرحمه وأنا أرحم الرحمين؟

إذا وقع الغريب في النزع يقول الله تعالى : يا ملائكتي هذا غريب مسافر ترك أولاده وعياله ووالديه وإذا مات لا يبكي عليه أحد ولا يحزن. ثم يجعل الله واحداً من الملائكة على صورة أبيه وواحداً على صورة أمه وواحداً على صورة ولده وواحداً على صورة واحد من أقاربه فيدخلون عليه فيفتح عينيه فيرى والديه وعياله فيطيب قلبه وتخرج روحه مع الفرح والسرور. ثم إذا خرجت جنازته يشيعونها ويدعون له على قبره إلى يوم القيامة فذلك قول الله تعالى [ الله لطيفٌ بِعِبِاَدِهِ ]. هذا والله أعلم
                                        ((وقُل ربي زِدني علماً))                                      

http://personneiislamic.blogspot.com/

السبت، 23 أكتوبر 2010

نكمل لكم في باب بيان الخوف

المؤمن هو الذي يخاف الله تعالى بجميع جوارحه كما قال الفقيه أبو الليث علامة خوف الله تعالى تظهر في خمسة أشياء
1-أولها لسانه فيمنعه من الكذب والغيبة والنميمة والبهتان وكلام الفضول ويجعله مشغولاً بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن ومذاكرة العلم .2- قلبه فيخرج منه العداوة والبهتان وحسد الاخوان لان الحسد يمحو الحسنات كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. وأعلم أن الحسد من الأمراض العظيمة في القلوب ولاتداوى أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل.
3- نظره فلا ينظر إلى الحرام من الاكل والشرب والكسوة وغيرها ولا إلى الدنيا بل يكون نظره على وجه الاعتبار ولا ينظر إلى مالايحل له كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : من ملأ عينه من الحرام ملأ الله تعالى يوم القيامة عينه من النار.
4- بطنه فلا يدخل بطنه حراماً فإنه إثم كبير كما قال صلى الله عليه وسلم إذا وقعت لقمة من الحرام في بطن ابن آدم لعنه كل ملك في الارض والسماء مادامت تلك اللقمة في بطنه وإن مات على تلك الحالة فمأواه جهنم.
5- يده فلا يمد يده إلى الحرام بل يمدها إلى مافيه طاعة الله تعالى.

قصة// بينما داود عليه السلام جالس في صومعته يتلو الزبور إذ رأى دودة حمراء في التراب فقال في نفسه ما أراد الله في هذه الدودة ؟
فأذن الله للدودة حتى تكلمت فقالت يا نبي الله أما نهاري فألهمني الله أن أقول في كل يوم سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر وأما ليلي فألهمني الله ربي أن اقول في كل ليلة اللهم صلى على محمد النبي الأمْي وعلى آله وصحبه وسلم ألف مرة فأنت ماتقول حتى أستفيد منك فندم داود عليه السلام على احتقار هذه الدودة وخاف من الله تعالى وتاب إليه وتوكل عليه.

وكان إبراهيم الخليل صلوات الله عليه إذا ذكر خطيئته يغشى عليه ويسمع اضطراب قلبه ميلاً في ميل فأرسل الله إليه جبريل فأتاه فقال له الجبار يقرئك السلام ويقول هل رأيت خليلاً يخاف خليله فقال يا جبريل إذا ذكرت خطيئتي وفكرت في عقوبته نسيت خلتي فهذه أحوال الانبياء والأولياء والصالحين والزاهدين فتأمل!!   

في بيان الخوف

جاء في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله تعالى خلق ملكاً له جناح في المشرق وجناح في المغرب ورأسه تحت العرش ورجلاه تحت الأرض السابعة وعليه ريش بعدد خلق الله ريش فإذا صلى رجل او امرأة من أمتي علي أمره الله تعالى بأن ينغمس في بحرٍ من نور تحت العرش فينغمس فيه ثم يخرج وينفض جناحه فيقطر من كل ريشة قطرة فيخلق الله تعالى من كل قطرة ملكاً يستغفر له إلى يوم القيامة. وهذا فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

قال بعض الحكماء سلامة الجسد في قلة الطعام وسلامة الروح في قلة الآثام وسلامة الدين في الصلاة على خير الانام : قال تعالى [ يا أيها الذين آمنوا اتقُو الله ] يعني إخشوا الله [ ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغد ] يعني ليوم القيامة ومعناه تصدقوا واعملوا بالطاعة لتجدوا ثوابها يوم القيامة [ واتقوا الله إن الله خبير بما تعلمون]<1> من الخير والشر فإن الملائكة والسماء والأرض والليل والنهار يوم القيامة يشهدون بما عمل ابن آدم من خير أو شر طاعة أو معصية حتى جوارحه تشهد عليه والأرض تشهد للمؤمن والزاهد فتقول صلى علْي وصام وحج وجاهد فيفرح المؤمن الزاهد وتشهد على الكافر والعاصي فتقول أشرك علي وزنى وشرب الخمر وأكل الحرام فيا ويله إن ناقشه في الحساب أرحم الراحمين.

حِكَم لقمان عليه السلام

قال تعالى : [ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ] .

وقال تعالى : [ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ] .

وصايا لقمان لابنـــه

يا بني : ما ندمت على السكوت قط .

يا بني : اعتــزل الشر يعتزلك ، فإن الشر للشــر خلق ..

يا بني : عود لسانك : اللهم اغفر لي ، فإن لله ساعات لا يـــرد فيها سائـــلاً .

يا بني : اتخذ طاعة الله تجارة تأتيك الأربــاح من غير تجـــارة ..

يا بني : لا تكثر النوم والأكل ، فإن من أكثر منهما جاء يوم القيامة مفلسا من الأعمال الصالحة ..

يا بني : بئراً شربت منـــه ، لا تــــرمي فيه حجــــــراً ...

يا بني : عصفور في قدرك خير من ثــــور في قدْر غيرك ...

يا بني : شئيان إذا حفظتهما لا تبالي بما صنعت بعدهما دينك لمعادك ، ودرهمك لمعاشك .

يا بني : إنه لا أطيب من القلب واللسان إذا صلحــا ، ولا أخبث منهما إذا فسدا .

يا بني : لا تركن إلى الدنيا ولا تشغل قلبك بها فإنك لم تخلق لها ..

يا بني : لا تضحك من غير عجب ، ولا تسأل عما لا يعنيــك ..

يا بني : إنه من يرحم يُرحم ، ومن يصمت يسلم ، ومن يقل الخير يغنم ، ومن لا يملك لسانه يندم ..

يا بني : زاحم العلماء بركبتيك ، وأنصت لهم بأذنيك ، فإن القلب يحيا بنور العلماء .

يا بني : مررت على كثير من الأنبياء فاستفدت منهم عدة أشيــــــاء :

يا بني : إذا كنت في صلاة فاحفــــظ قلبك .

يا بني : وإذا كنت في مجلس الناس فاحفظ لسانك ..

يا بني: وإذا كنت في بيوت الناس فاحفظ بصرك ..

يا بني: وإذا كنت على الطعــام فاحفظ معدتك ..

يا بني : واثــنــتـــان لا تذكرهمـــا أبدأ :

إســـــــــــــاءة الناس إليك

--- وإحسانك للناس