ومعنى رحمته لنفسه أن يرحمها من عذاب الله تعالى بترك المعاصي والتوبة منها وفعل الطاعات والإخلاص فيها ومعنى رحمته لغيره لا يسعى في أذية مسلم . قال صلى الله عليه وسلم (( المسلم من سلم الناس من يده ولسانه )). ويرحم البهائم فلا يكلفها مالا تطيق. فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(( بينما رجل يمشي في الطريق فاشتد عليه العطش فوجد بئراَ فنزل بها وشرب ثم طلع فإذا كلب يلهث من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني فملاً خفه ماء ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب فشكر الله تعالى له فغفر له قالوا يا رسول الله:(( إن لنا في البهائم لأجراً قال في كل ذات كبد رطبة أجر )).
وعن أنس بن مالك قال بينما عمر رضي الله عنه يعس ذات ليلة إذ مر برفقة قد نزلت فخشي عليهم السرقة فلقي عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه فقال ما الذي جاء بك في هذه الساعة يا أمير المؤمنين قال مررت قد نزلت فحدثتني نفسي أنهم إذا باتوا ناموا فخشيت عليهم السارق فانطلق بنا نحرسهم قال فانطلق بنا نحرسهم قال فانطلقا فقعدا قريبا من الرفقة يحرسان حتى إذا طلع الفجر نادى عمر رضي الله عنه يا أهل الرفقة الصلاة حتى إذا رآهم تحركوا انصرف فعلينا أن نقتدي بالصحابة رضي الله عنهم فقد مدحهم الله تعالى بقوله رحماء بينهم وكانوا رحماء على المسلمين وعلى جميع الخلق وكانوا يرحمون أهل الذمة .
فقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه رأى رجلاً من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس وهو شيخ كبير فقال له عمر رضي الله عنه ما انصفناك أخذنا منك الجزية مادمت شاباً ثم ضيعناك اليوم وأمر بأن يجري عليه قوته من بيت مال المسلمين.
وعن الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :(( بدلاء أمتي لا يدخلون الجنة بكثرة صلاة ولا صيام ولكن يدخلونها بسلامة الصدور وسخاوة النفوس والرحمة لجميع المسلمين )). وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :(( الراحمون يرحمهم الرحمن إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )). وعنه صلى الله عليه وسلم :(( من لا يَرحم لا يُرحم ومن لا يغفر لا يُغفر له )). وقال مالك بن أنس قال رسول صلى الله عليه وسلم :(( أربع من حق المسلمين عليك : أن تعين محسنهم وأن تستغفر لمذنبهم وأن تعود مريضهم وأن تحب تائبهم )).
وروي أن موسى عليه السلام قال يا رب بأي شيء اتخذتني صفياً قال برحمتك على خلقي. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه كان يتبع الصبيان فيشتري منهم العصافير فيرسلها ويقول اذهبي فعيشي. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتواصلهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر )).
وحكي أن عيسى عليه السلام خرج يوماً فلقي إبليس وبيده عسل وفي الاحرى رماد فقال ما تفعل يا عدو الله بهذا العسل والرماد ؟ قال أما العسل فأجعله على شفاء المغتابين حتى يبلغوا منها وأما الرماد فأضعه على وجه اليتامى حتى يبغضهم الناس . وقال صلى الله عليه وسلم :(( إن اليتيم إذا ضُرب اهتز عرش الرحمان لبكائه فيقول الله عز وجل يا ملائكتي من أبكى هذا الصبي الذي غيبت أباه في التراب )). وقال صلى الله عليه وسلم :(( من آوى يتيماً إلى طعامه و شرابه أوجب الله له الجنة )).
وفي روضة العلماء كان إبراهيم عليه السلام إذا أراد أن يأكل طعاماً مشى الميل والميلين يطلب من يأكل معه وبكى علي كرم الله وجهه يوماً فقيل ما يبكيك قال لم يأتني ضيف منذ سبعة أيام فأخاف أن يكون الله قد أهانني .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((من أطعم جائعاً يريد به وجه الله وجبت له الجنة ومن منع الطعام عن الجائع منع الله عنه فضله يوم القيامة وعذبه في النار)). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد عن النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار)).
وقال صلى الله عليه وسلم :(( الجاهل السخي أحب إلى الله من العابد البخيل)). وقال صلى الله عليه وسلم :(( إذا كان يوم القيامة يدخل الجنة أربعة بغير حساب : العالم الذي يعمل بعلمه , ومن حج ولم يرفث ولم يفسق حتى مات , والشهيد الذي قتل في معركة لإعلاء كلمة الإسلام , والسخي الذي اكتسب مالاً من الحلال وأنفقه في سبيل الله بغير رياء , فهؤلاء ينازع بعضهم بعضاً أيهم يدخل الجنة أولاً)). وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((إن لله عباداً يختصهم بالنعم لمنافع العباد فمن بخل بتلك المنافع على العباد نقلها الله تعالى عنه وحولها إلى غيره)). وقال صلى الله عليه وسلم :((السخاء شجرة من شجر الجنة أغصانها متدلية إلى الأرض فمن أخذ بغصن منها قاده ذلك الغصن إلى الجنة )). وعن جابر رضي الله عنه قال قيل يا رسول الله أي الأعمال أفضل :(( قال الصبر والسماحة )).
وروى المقدام بن شريح عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة قال :((إن من موجبات المغفرة بذل الطعام , وإفشاء السلام , وحسن الكلام)).
(( وقل ربي زدني علماً ))
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق