السبت، 27 نوفمبر 2010

في ملازمة الطاعة وترك الحرام

معنى الطاعة القيام بفروض الله تعالى والاجتناب لمحارمه والوقوف عند حدوده . قال مجاهد في قوله تعالى [ وَلا تَنسَ نَصيبَكَ مِنَ الدنيا ] وهو أن يعمل العبد بطاعة الله تعالى. واعلم أن أصل الطاعة العلم بالله والخوف من الله والرجاء في الله والمراقبة لله, فإذا تجرد العبد عن هذه الخصال لم يدرك حقيقة الإيمان لأنه لا تصح الطاعة لله إلا بعد العلم به والإيمان بوجوده خالقاً عالماً قادراً لا يحيط به علم ولا يتصوره وليس كمثله شيء وهو السميع البصير. قال أعرابي لمحمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم هل رأيت الله حين عبدته قال لم أكن أعبد من لم أره قال كيف رأيته قال لم تره الأبصار بمشاهدة العيان لكن رأته القلوب بحقيقة الإيمان لا يدرك بالحواس ولا يشبه بالناس معروف بالآيات منعوت بالعلامات لا يجوز في القضيات ذلك الله لا إله إلا هو رب الأرض والسموات فقال الأعرابي الله أعلم حيث يجعل رسالاته.


سئل بعض العارفين عن علم الباطن فقال هو سر من أسرار الله يقذفه في قلوب أحبابه لم يطلع عليه ملكاً ولا بشراً.
روي كعب الأحبار قال لو أن بني آدم بلغوا من اليقين مثقال حبة من عظمة الله عزوجل لمشوا على الماء والريح . فسبحان من جعل الإقرار بالعجز عن إدراك معرفته إيماناً كما جعل إقرار المنعم عليه بالعجز عن إدراك شكره.
 قال محمود الوراق:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة                علي له في مثلها يجب الـشـكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله                وإن طالت الأيام واتصل العمر
إذا مس السراء عم سرورها                وإن مس الضراء أعقبها الأجر

وإذا ثبت العلم بالربوبية تعين الإقرار بالعبودية وإذا تقرر الإيمان في القلب وجبت الطاعة للرب . والإيمان نوعان ظاهر وباطن فالظاهر النطق باللسان والباطن الاعتقاد بالقلب والمؤمنون متباينون في منازل القرب متفاوتون في درجات الطاعة والإيمان جامع لهم بقدر حظ كل واحد منهم من الموهبة وتمكنه من علو المرتبة في الإخلاص لله والتوكل عليه والرضا بحكمه , فأما الإخلاص فإن لا يطلب العبد بما يعمل جزاء من الخالق والله خلقكم وما تعملون فإن كانت الطاعة رجاء للمثوبة وخوفاً من العقوبة فذلك العبد لا يكون كامل الإخلاص فإنه لنفسه سعى.


وقال تعالى [ وَمِنَ الناس مَن يَعبُدُ اللهَ عَلَى حَرفٍ فَإن أصَاَبَهُ خَيرٌ اطمَأَن بِهِ وَإن أصابَتهُ فِتنةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجهِهِ خَسِرَ الدنيا وَ الآخِرَةَ ] وإنما تعينت علينا عبادته ووجبت طاعته بما سبق له من الفضل علينا وتقدم له من الإحسان إلينا فضلاً عن كونه أمرنا بها ليرتب الجزاء عليها فضلاً ويجازي من ضل عنها عدلاً. وأما التوكل فهو الاعتماد على الله سبحانه عند الحاجة والاستناد إليه مع الضرورة والثقة به عند النازلة مع سكون النفس وطمأنينة القلب فالمتوكلون على ربهم علموا أنه المقدر والأسباب تحت حكم الخالق المدبر لا يركنون لآباء ولا أبناء ولا أموال ولا صنائع بل صرفوا بهديه جميع الأمور إليه ولم يعتمدوا في حال من الاحوال إلا عليه ومن يتوكل على الله فهو حسبه وأما الرضا فهو طيب النفس بما يجري به المقدور , قال بعض العلماء أقرب الناس إلى الله أرضاهم بما قسم لهم . ومن كلام الحكماء رب مسرة هي الداء ومرض هو الشفاء كما قال:
كــــم نــعــمـة مطوية                  لــك بين أنــيــاب الـنـوائـب
ومـسرة قـد أقــبــلــت                  مــن حيث ترتقب المصائب
فاصبر على حـدثــان                  دهـرك فـالأمور لها عواقب
ولكل كــرب فــرجـة                   ولــكـل خـالـصـة شــوائـب

وحسبنا قول الله عزوجل [ وَعَسَى أن تَكرَهُوا شَيئاً وَهُو خَيرٌ لَكُم ].
واعلم أنه لن يستكمل العبد طاعة ربه إلا برفض الدنيا. وفي بعض الحكم والمواعظ مالم يحجبها عن القلب حاجب وهذه الحجب إنما هي عوارض الدنيا ومن كلامهم الدنيا ساعة فاجعلها طاعة قال أبو وليد الباجي:
إذا كنت أعلم علماً يقيـناً                 بـأن جـمـيـع حياتي كساعة
فلم لا أكون ضنيناً بــهـا                 وأجعلها في صلاحٍ وطاعة

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: يقول العبد مالي مالي وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفني أو لبس فأبلى أو تصدق فأمضي, وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس" [مسلم]

وروي عن عيسى عليه السلام أنه قال البر في ثلاثة في النطق والنظر والصمت فمن كان منطقه في غير ذكر الله فقد لغى ومن كان نظره في غير اعتبار فقد سهى ومن كان صمته في غير فكر فقد لهى. وترك الدنيا يكون بإطراح الفكرة في أحوالها وترك التمني بلذاتها فإن الفكرة تبعث الإرادة لتعلق النفس بالفكرة .


وليحذر في إرسال النظر فيما لا يحل فإنه سهم صائب وسلطان غالب  وقد قيل النظر سهم من سهام إبليس فمن تركها مخافة الله تعالى أعقبه إيماناً يجد طعمه في قلبه. ومن كلام الحكماء من أطلق طرفه كثر أسفه إدمان النظر يكشف الخبر ويفضح البشر ويطول به المكث في سقر احفظ عينيك فإنك إن أطلقتها أوقعتاك في مكروه وإن ملكتها ملكت سائر جوارحك.

قيل لأفلاطون أيهما أشد ضرراً بالقلب السمع أم البصر قال هما للقلب كالجناحين للطائر لا يستقل إلا بهما ولا ينهض إلا بقوتهما وربما قص أحدهما فنهض بالآخر على تعب ومشقة. وقال محمد بن ضوء كفى بالعبد نقصاناً عند الله وضعة عند ذوي العقول أن ينظر إلى كل ما يسنح له.

رأى بعض الزهاد رجلاً يضحك إلى غلام فقال له يا خرب العقل والقلب ويا خرب الطرف أما تستحي من كرام كاتبين وملائكة حافظين يحفظون الأعمال وينظرون إليك ويشهدون عليك بالبلاء الظاهر والغل الدخيل المخامر الذي أقمت نفسك فيه مقام من لا يبالي من وقف عليه ونظر من الخلق إليه . وللقاضي الأرجاني:

تمتعتما يـــا ناظري بنظرة            فــأوردتما قلـــــــــبي أشر الموارد
أعيناي كفا عن فؤادي فإنه            من البغي سعى اثنين في قتل واحـد

وقال علي كرم الله وجهه العيون مصائد الشيطان والعين أنفذ الجوارح سرعة وأشدها صرعة فمن أتبع جوارحه نفسه في طاعة ربه فقد وصل أمله ومن تبع جوارحه نفسه في نيل لذته فقد أحبط عمله وأنشدوا:

إذا ما صغت نفس المريد بطاعة            ولما تشبها للمعاصي شوائــــب
وأتبعهــــا فـعـل الـجوارح كلهــا            فتلـــك عليـــه أنعم ومواهـــــب 
تلقـتـــه في دار الخلود كرامــــة             إذا جب للعاصي سنام وغارب

قال عبدالله بن المبارك أضل الإيمان التصديق بما جاءت به الرسل فمن صدق القرآن خرج إلى العمل به ونجا من الخلود في النار ومن اجتنب المحارم خرج إلى التوبة ومن أخذ القوت من حله خرج إلى الورع ومن ادى الفرائض صح إسلامه ومن صدق لسانه سلم من التبعات ومن رد المظالم نجا من القصاص ومن أتى بالسنن زكت أعماله ومن أخلص لله قبل عمله.


وروي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أوصني قال:(( أكتسب طيباً وأعمل صالحاً وسل الله رزق يوم ليوم وعد نفسك من الموتى)). وليحذر من الإعجاب بالعمل فإنه من أعظم الآفات وأحبط الأعمال فإن المعجب بعمله ممتن على ربه وما يدريه أقبل منه أم رد عليه رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً. وليحذر أيضاً من الرياء قيل في قوله تعالى [ وَبَدا لَهُم مِن اللهِ مَا لَم يَكُونُوا يَحتَسِبُون ]<سورة الزمر>, قيل عملوا أعمالاً كانوا يرونها في الدنيا من الحسنات فبدت لهم يوم القيامة من السيئات. وكان بعض السلف إذا قرأ هذه الآية قال ويل لأهل الرياء. وقيل أيضاً في قوله تعالى [ وَلا يُشرِك بِعِبَاَدةِ رَبهِ أَحَداً ]<سورة الكهف>, أي لا يظهرها رياءً ولا يخفيها حياءً.

وروي عن ابن مسعود أن آخر ما نزل من القرآن [ وَاتقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللهِ ثم تُوفى كُلُ نَفسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ] <سورة البقرة> .

قال محمد بن بشير:
مضى أمسُك الأدنى شهيداً معـدلاً               ويومك هذا بالفعال شهيدُ
فإن تك بالأمس اقترفت إســــاءة               فثن بإحسان وأنت حميـدُ
ولا ترج فعل الخير منك إلى غـد               لعل غداً يأتي وأنت فقيـدُ

وقال غيره:
تعجـــل الــــذنـــب بما تشتهـــي               و تــأمــل الـتوبة في قابـل 
والموت يـــأتي بعــد ذا غفلـــــة               ما ذاك فعل الحازم العاقـل

وقال داود لسليمان عليهما السلام يستدل على تقوى المؤمن بثلاث: حسن التوكل فيما لم ينل وحسن الرضا فيما نال وحسن الصبر على ما قد فات. وفي بعض الحكم المنثورة من صبر على البلاء وصل إلى الوفاء قال:
عليك بالصبر إن نابتك نائبة                  من الزمان ولا تركن إلى الـجزع
وإن تعرضت الدنيا بزينتهــا                  فالصبر عنها دليل الخير والورع
فجاهد النفس قسراً فيهما أبداً                  تلـــق الذي ترتجيه غير ممنتــــع

وقال آخر:
الصـــــــبر مفتاح ما يرجى                  ولـــم يــــزل دائـــمــاً يــعــيــــن
فاصـــبر وإن طالت الليالي                   فـــربمــــا ساعــــد الــحـــــزون
وربمــــا نيـــل باصطبـــار                   مــــاقـيــل هـــيـهـات لا يــكــون

وقال آخر:
الصبر أوثق عروة الإيمان                  و مـجـنـة مــن نــزغــة الشيطــان
الصبر فيه عواقب محمودة                  و الطــيش فــيه عــواقب الخسران
فإذا لقيت من الزمان ملمـة                   و كـــذاك فــينا عـــادة الأزمــــان 
فتدرع الصبر الجميل تيقناً                   إن التــصــبر رائـــد الرضــــوان

والصبر له فروع صبر على الفرائض بالمواظبة عليها بكمالها في أحب أوقاتها وصبر على النوافل وصبر على أذى الأصحاب والجار وصبر على الأمراض وصبر على الفقر والصبر على المعاصي وعن الشهوات وعن الشبهات وعن فضول جميع جوارح البدن وغير ذلك.

(( وقل ربي زدني علماً ))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حِكَم لقمان عليه السلام

قال تعالى : [ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ] .

وقال تعالى : [ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ] .

وصايا لقمان لابنـــه

يا بني : ما ندمت على السكوت قط .

يا بني : اعتــزل الشر يعتزلك ، فإن الشر للشــر خلق ..

يا بني : عود لسانك : اللهم اغفر لي ، فإن لله ساعات لا يـــرد فيها سائـــلاً .

يا بني : اتخذ طاعة الله تجارة تأتيك الأربــاح من غير تجـــارة ..

يا بني : لا تكثر النوم والأكل ، فإن من أكثر منهما جاء يوم القيامة مفلسا من الأعمال الصالحة ..

يا بني : بئراً شربت منـــه ، لا تــــرمي فيه حجــــــراً ...

يا بني : عصفور في قدرك خير من ثــــور في قدْر غيرك ...

يا بني : شئيان إذا حفظتهما لا تبالي بما صنعت بعدهما دينك لمعادك ، ودرهمك لمعاشك .

يا بني : إنه لا أطيب من القلب واللسان إذا صلحــا ، ولا أخبث منهما إذا فسدا .

يا بني : لا تركن إلى الدنيا ولا تشغل قلبك بها فإنك لم تخلق لها ..

يا بني : لا تضحك من غير عجب ، ولا تسأل عما لا يعنيــك ..

يا بني : إنه من يرحم يُرحم ، ومن يصمت يسلم ، ومن يقل الخير يغنم ، ومن لا يملك لسانه يندم ..

يا بني : زاحم العلماء بركبتيك ، وأنصت لهم بأذنيك ، فإن القلب يحيا بنور العلماء .

يا بني : مررت على كثير من الأنبياء فاستفدت منهم عدة أشيــــــاء :

يا بني : إذا كنت في صلاة فاحفــــظ قلبك .

يا بني : وإذا كنت في مجلس الناس فاحفظ لسانك ..

يا بني: وإذا كنت في بيوت الناس فاحفظ بصرك ..

يا بني: وإذا كنت على الطعــام فاحفظ معدتك ..

يا بني : واثــنــتـــان لا تذكرهمـــا أبدأ :

إســـــــــــــاءة الناس إليك

--- وإحسانك للناس