الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

فــي عداوة الشيطان


يجب على المؤمن أن يحب العلماء والصلحاء ويلازم مجالستهم ويسأل ما لا بد له ويتعظ بنصحهم ويجتنب الأعمال القبيحة ويتخذ الشيطان عدواً كما قال الله تعالى [ إن الشيطان لَكُم عَدُوٌ فَاتخِذُوُهُ عَدُواً ] أي فعادوه بطاعة الله تعالى ولا تطيعوه في معاصي الله تعالى وكونوا على حذر منه في جميع أحوالكم وأفعالكم وعقائدكم عن صميم قلوبكم وإذا فعلتم فعلاً فتفطنوا له فإنه ربما يدخل عليكم فيه الرياء فيزين لكم القبائح واستعينوا بربكم . قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً وقال: هذه سبيل الله خط خطوطاً عن يمين الخط وعن شماله ثم قال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا إليه ثم تلا قوله تعالى [ وأَن هذا صِراطي مُستَقيماً فَاتبِعوهُ ولا تَتبِعُوا السبُلَ فَتَفَرقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ] فبين لنا صلى الله عليه وسلم كثرة طرق الشيطان.
 
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كان راهب في بني إسرائيل فعمد الشيطان إلى جارية فخنقها وألقى في قلوب أهلها أن دواءها عند الراهب فأتوا بها إليه فأبى أن يقبلها فلم يزالوا به حتى قبلها فلما كانت عنده ليعالجها أتاه الشيطان فزين له مقاربتها ولم يزالوا به حتى قبلها فلما كانت عنده ليعالجها أتاه الشيطان فزين له مقاربتها ولم يزل به حتى واقعها فحملت منه فوسوس إليه وقال الآن تفتضح يأتيك أهلها فاقتلها فإن سألوك فقل ماتت فقتلها ودفنها فأتى الشيطان أهلها فوسوس إليهم وألقى في قلوبهم أنه أحبلها ثم قتلها ودفنها فأتاه أهلها فسألوه عنها فقال ماتت فأخذوه ليقتلوه بها فأتاه الشيطان فقال أنا الذي خنقتها وأنا الذي القيت في قلوب أهلها فأطعني تنج وأخلصك منهم قال بماذا قال أسجد لي سجدتين ففعل فقال له الشيطان إني برئ منك. فهو الذي قال الله تعالى فيه 
كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ].
 
روي أن إبليس سأل الشافعي رحمه الله ما قولك فيمن خلقني كما اختار واستعملني كما اختار وبعد ذلك إن شاء أدخلني الجنة وإن شاء أدخلني النار أعدل في ذلك أم جار ؟ فنظر في كلامه ثم قال يا هذا إن كان خلقك لما تريد أنت فقد ظلمك وإن كان خلقك لما يريد هو فلا يسئل عما يفعل , فاضمحل حتى صار لا شي ثم قال والله يا شافعي لقد أخرجت بمسئلتي هذه سبعين ألف عابد من ديوان العبودية .
 
واعلم أن مثال القلب مثال حصن والشيطان يريد أن يدخل الحصن فيملكه ويستولي عليه ولا يقدر على حفظ الحصن من العدو إلا بحراسة أبواب الحصن ومداخله ومواضع ثلمه ولا يقدر على حراسة أبوابه من لا يدريها.
 فحماية القلب ن وسواس الشيطان واجب وهو فرض عين على كل مكلف وما لا يتوصل إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة مداخله فصارت معرفة مداخله واجبة ومداخله وأبوابه صفات العبد وهي كثيرة . 

منها الغضب والشهوة فإن الغضب غول العقل وإذا ضعف العقل هجم جند الشيطان ومهما غضب الانسان لعب الشيطان به كما يلعب الصبي بالكرة . وقد ذكر أن بعض الأولياء قال لإبليس أرني كيف تغلب ابن آدم فقال آخذه عند الغضب وعند الهوى . ومنها الحرص والجد وأصمه حينئذ يجد الشيطان فرصة فيحسن عند الحريص كل ما يوصله إلى شهوته وإن كان منكراً وفاحشاً فقد روي أن نوحاً عليه السلام لما ركب السفينة حمل فيها من كل زوجين اثنين كما أمره الله تعالى فرأى في السفينة شيخاً لم يعرفه فقال له نوح ما أدخلك فقال دخلت لأصيب قلوب أصحابك فتكون قلوبهم معي وأبدانهم معك فقال نوح اخرج منها يا عدو الله فقال له إبليس خمسٌ أهُلِك بهن الناس وسأحدثك منهن بثلاث ولا أحدثك باثنين فأوحى الله إلى نوح أنه لا حاجة لك بالثلاث فليحدثك بالاثنتين فقال له نوح حدثني ما الاثنتان فقال هما اللتان لا تكذباني هما اللتان لا تخلفاني بهما أُهُلِك الناس:(((الحرص والحسد))) فبالحسد لعنت وجعلت رجيماً وأما بالحرص فإنه أبيح لآدم الجنة كلها إلا الشجرة فأصبت حاجتي منه بالحرص.
ومنها أيضاً الشبع من الطعام وإن كان حلالاً صافياً فإن الشبع يقوي الشهوات وهي أسلحة الشيطان.
 
فقد روي أن إبليس ظهر ليحيى عليه السلام فرأى عليه معاليق من كل شي فقال له يا إبليس ماهذه المعاليق قال هذه الشهوات التي أصبت بها ابن آدم فقال فهل لي فيها من شي قال ربما شبعت فثقلناك عن الصلاة وعن الذكر قال فهل غير ذلك قال لا قال لله علي أن لا أملأ بطني من الطعام أبداً فقال له إبليس ولله علي أن لا أنصح مسلماً أبداً.
 
ومنها الطمع في الناس فقد روي عن صفوان بن سليم أن إبليس تمثل لعبدلله بن حنظلة فقال له يا ابن حنظله احفظ عني شيئاً أعلمك به فقال له لا حاجة لي به قال انظر فإن كان خيراَ أخذت وإن كان شراً رددت يا ابن حنظلة لا تسأل أحداُ غير الله سؤال رغبة وانظر كيف تكون إذا غضبت فإني أملكك إذا غضبت.
 
ومنها العجلة وترك التثبت في الامور. قال صلى الله عليه وسلم : (( العجلة من الشيطان والتأني من الله تعالى فعند الاستعجال يروج الشيطان شره على الإنسان من حيث لا يدري )).
فقد روي أنه لما ولد عيسى عليه السلام أتت الشياطين إبليس فقالوا له أصبحت الاصنام قد نكست رؤوسها فقال هذا حادث قد حدث مكانكم فطار حتى أتى خافقي الأرض فلم يجد شيئاً فوجد عيسى عليه السلام قد ولد وإذا بالملائكة حافين به فرجع إليهم فقال إن نبياً قد ولد البارحة ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا وأنا حاضرها إلا هذا فايئسوا أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة , ولكن أئتوا بني آدم من قبل العجلة والخفة .
 
ومنها الأموال من الدوآب والعقار فإن كل ما يزيد على قدر القوت والحاجة فهو مستقر الشيطان . قال ثابت البناني لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إبليس لشياطينه لقد حدث أمر فانظروا ما هو فانطلقوا حتى أعيوا ثم جاؤوه وقالوا ما ندري قال أنا آتيكم بالخبر فذهب ثم جاء وقال قد بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم قال فجعل يرسل شياطينه إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فينصرفون خائبين ويقولون ما صحبنا يوماً قط مثل هؤلاء نصيب منهم ثم يقومون إلى صلاتهم فيمحق ذلك. فقال لهم إبليس رويداً بهم عسى الله أن يفتح لهم الدنيا فنصيب منهم حاجاتنا .
ومنها البخل وخوف الفقر فإن ذلك هو الذي يمنع من الانفاق والتصدق ويدعوا إلى الادخار والكنز والعذاب الاليم ومن آفات البخل الحرص على ملازمة الأسواق لجمع المال وهي معشش الشيطان .
 
ومنها التعصب للمذاهب والأهواء والحقد على الخصوم والنظر لهم بعين الاحتقار وذلك مما يهلك العباد والفساق جميعاً . قال الحسن رضي الله عنه بلغنا أن إبليس قال سولت لأمة محمد صلى الله عليه وسلم المعاصي فقصموا ظهري بالاستغفار فسولت لهم ذنوباً لا يستغفرون الله منها وهي الأهواء وقد صدق الملعون فإنهم لا يعلمون أن في ذلك من الأسباب التي تَجرُ إلى المعاصي فكيف يستغفرون منها .
 
ومنها سوء الظن بالمسلمين فيجب الاحتراز عنه وعن تهمة الأشرار فمهما رأيت إنساناً يسئ الظن في الناس طلباً للعيوب فاعلم أنه خبيث باطناً وأن ذلك يترشح منه فيجب على الانسان قطع هذه الأبواب من القلب ويعينه على ذكر الله تعالى.
 
قال إسحق لما رأى كفار قريش هجرة الصحابة وعرفوا أنه صار له صلى الله عليه وسلم أصحاب غيرهم فحذروا خروجه وعرفوا أنه جمع لحربهم فاجتمعوا في دار الندوة وهي دار قصي بن كلاب وسميت بذلك لاجتماع الندي فيها يتشاورن , وكانت قريش لاتقضي أمراً إلا فيها ولا يدخلون فيها غير القرشي إلا إذا كان قد بلغ فوق الأربعين بخلاف القرشي وقد أدخلوا أباجهل واجتمعوا يوم السبت ولذا ورد يوم السبت يوم مكر وخديعة ومعهم إبليس في صورة شيخ نجدي وذلك أنه وقف على باب الدار في هيئة شيخ جليل عليه قيل كساء غليظ أو طيلسان من خز فقالوا ممن الشيخ قال من جد سمع بالذي اتعدتم له فحضر ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدكم رأيا ونصحا , قالوا ادخل فدخل فتشاوروا في أمر النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا مائة رجل وقيل كانوا خمسة عشر رجلاً فقال أبو البحيري المقتول كافراً ببدر إحبسوه في الحديد وأغلقوا عليه باباً ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء قبله, فقال النجدي ماهذا برأي والله لو حبستموه في الحديد ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من أيديكم ثم تكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ماهذا برأي فأنظروا في غيره فقال الأسود بن ربيعة بن عمرو العامري نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا فلا نبالي أين ذهب فقال النجدي لعنه الله والله ما هذا برأي ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به والله لو فعلتم ذلك ما أمنت أن يحل علي حي من العرب فيغلب بذلك عليهم من قوله حتى يتابعوه عليكم ثم يسير بهم إليكم فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد أديروا فيه رأياً غير هذا فقال أبو جهل والله إن لي فيه رأياً ما أراكم وقعتم عليه , أرى أن تأخذوا من كل قبيلة فتى شاباً جلداً نسيباً و سيطاً ثم يعطى كل فتى منهم سيفاً صارماً ثم يعمدوا إليه فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه ويتفرق دمه في القبائل فلا تقدر بنوعبد مناف على حرب قومهم جميعاً فنعقله لهم , فقال النجدي لعنه الله القول ما قال لا أرى غيره فأجمع رأيهم على قتله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا على ذلك ثم أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال لاتبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه فلما كان الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبوا عليه فأمر عليه السلام علياً أن فنام مكانه وغطي ببرد ببرد له صلى الله عليه وسلم أخضر كان يشهد به الجمعة والعيدين بعد ذلك عند فعلهما فكان أول من شرى نفسه في الله ووقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم 

وفي ذلك يقول علي رضي الله عنه شعراً

وقيت بنفسي خير من وطئ الثرى         ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
رسول إله خاف أن يمكروا به              فنجاه ذو الطول الإله من المكر
وبات رسول الله في الغار آمنا             موقى وفي حفظ الإله وفي ستر
وبت أراعيهم وما يتمونني وقد            وطنت نفسي على القتل والأسر

ثم خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من الباب عليهم وقد الله على أبصارهم فلم يره أحد منهم ونثر على رؤوسهم كلهم تراباً كان في يده وهو يتلو قوله تعالى [ يس] إلى قوله [ فَأغشيَناهُم فَهُم لا يُبصِرُونَ ] ثم إنصرف حيث أراد فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال ما تنتظرون ههنا قالوا محمداً قال خيبكم الله والله خرج عليكم ثم ما ترك منكم رجلاً إلا وضع على رأسه تراباً وانطلق لحاجته فما ترون مابكم ؟ فوضع كل رجل يده على رأسه فإذا عليه تراب ثم جعلوا يطلعون فيرون علياً على الفراش مستجياً برد الرسول صلى الله عليه وسلم فيقولون والله إن هذا لمحمد نائم عليه برده فلم يزالوا كذلك حتى أصبحوا فقام علي من الفراش فقالوا صدقنا الذي كان حدثنا وفي هذا نزل قوله تعالى [ وَإذ يَمكُرُ بِكَ الذِينَ كَفَرَوا لِيُثبِتُوك أَو يَقتُلُوكَ ]الآيه...
 
لا تـجزعن فبعدَ عسر تيسير وكل شي له وقت وتقدير
وللـمقـدر في أحـوالنا نـظــر وفـوق تـدبـيرنا لله تدبير
 
ثم أذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في الهجرة . قال ابن عباس بقوله تعالى [ وَقُل رَب أدخِلنِي مُدخَلَ صِدقٍ وَأخرِجنِي مُخرَجَ صِدَقٍ وَاجعَل لي مِن لَدُنكَ سُلطَاناً نَصِيراً ]. وأمره جبريل أن يستصحب أبابكر رضي الله عنه.
 
وروى الحاكم عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل من يهاجر معي قال أبو بكر الصديق وأخبر صلى الله عليه وسلم علياً بمخرجه وأمره أن يتخلف بعده حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس .

وروى الطبراني عن أسماء رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا بمكة كل يوم مرتين بكرة وعشية فلما كان يوم من ذلك جاءنا في الظهيرة فقلت يا أبت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتنعاً أي مغطياً رأسه في ساعة لم يكن يأتينا فيها , قال أبو بكر رضي الله عنه فدى أبي وأمي والله ماجاء به في هذه الساعة إلا أمر. قالت عائشة رضي الله عنها فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له أبو بكر فدخل فتنحى أبو بكر عن سريره وجلس عليه رسول صلى الله عليه وسلم فقال لأبي بكر أخرج من عندك فقال أبو بكر إنما هم أهلك يعني عائشة وأسماء . في رواية فقال أبو بكر لاعين عليك إنما هما ابنتاي فقال صلى الله عليه وسلم فإنه قد أذن لي في الخروج فقال أبو بكر الصحبة بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم نعم قالت عائشة رضي الله عنها فرأيت أبابكر يبكي وما كنت أحسب أحداً يبكي من الفرح فقال أبو بكر فخذ بأبي أنت وأمي يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين قال صلى الله عليه وسلم لا بل بالثمن . وفي رواية قال بثمنها إن شئت , وإنما أخذها بالثمن لتكون هجرته صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى بنفسه وماله رغبة منه عليه السلام وفي استكماله فضل الهجرة إلى الله تعالى , قالت عائشة فجهزناهما أحث أي أسرع الجهاز, وصنعنا لهما سفرة أي زاداً في جراب , زاد الواقدي أنه كان في السفرة شاة مطبوخة قالت فقطعت أسماء قطعة من نطاقها فربطت بها على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين تثنية نطاق بكسر النون وما يشد به الوسط . قالت عائشة رضي الله عنها ثم لحق الرسول صلى الله عليه وسلم وأبوبكر بغار ثور فكمنا فيه ثلاث ليال وهو جبل بمكة نزله ثور بن عبد مناة فنسب له. وروي أنهما خرجا من خوخة أي باب صغير لأبي بكر في ظهر بيته ليلاً إلى الغار .
 
وروي أن أبا جهل لقيهما فأعمى الله بصره عنهما حتى مضيا قالت أسماء بنت أبو بكر وخرج أبوبكر بماله خمسة آلاف درهم ولما فقدت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم طلبوه بمكة أعلاها وبعثوا القافة جمع قائف وهو الذي يعرف الأثر في كل وجه فوجد الذي ذهب جهة ثور أثره هناك فلم يزل يتبعه حتى انقطع الأثر لما انتهى إلى ثور وشق على قريش خروجه وجزعوا لذلك وجعلوا مائة ناقة لمن رده.
 
وروي أنه لما دخل الغار وأبو بكر معه أنبت الله على بابه الراءة وهي شجرة معروفة بأم غيلان فحجبت عن الغار أعين الكفار . وأن الله عز وجل أمر العنكبوت فنسجت على وجه الغار فعششتا على بابه وأن ذلك مما صد المشركين عنه وأن حمام الحرم من نسل تينك الحمامتين.
 
ثم أقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيهم وهراويهم وسيوفهم فجعل بعضهم ينظر في الغار فرأى حمامتين وحشيتين فرجع إلى أصحابه فقالوا له مالك فقال رأيت حمامتين وحشيتين فعرفت أنه ليس فيه أحد فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فعلم أن الله قد درأ عنه وقال آخر ادخلوا الغار فقال أمية بن خلف وما أربكم أي حاجتكم إلى الغار إن فيه لعنكبوتا أقدم من ميلاد محمد لو دخل لكسر البيض وتفسخ العنكبوت. وهذا أبلغ في الإعجاز من مقاومة القوم بالجنود , فتأمل كيف أظلت الشجرة المطلوب وأضلت الطالب وجاءت العنكبوت فسدت باب الطالب وحاكت وجه المكان فحاكت ثوب نسجها حتى عمي على القائف الطلب ولقد حصل لها بذلك الشرف وما أحسن قول ابن النقيب:
ودود القز إن نسجت حريراً             يـجـمـل لـبـسـه فـي كل شي
فـإن الـعـنـكـبـوت أجـل منها            بما نسجت على رأس النبي
 
وروى الشيخان عن أنس قال حدثني أبو بكر قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أن أحدهم نظر إلى قدمه لرآنا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( ما ظنك باثنين الله ثالثهما )) وذكر بعض أهل السير أن أبا بكر لما قال ذلك قال له رسول الله لو جاءونا ههنا لذهبنا من ههنا فنظر الصديق إلى الغار قج انفرج من الجانب الآخر وإذا البحر قد اتصل به وسفينة مشدودة إلى جانبه . إن الله على كل شي قدير.

وعن الحسن البصري بلاغاً أن أبا بكر ليلة انطلق معه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار كان يمشي بين يديه ساعة فسأله فقال اذكر الطلب فأمشي خلفك واذكر الرصد فأمشي أمامك فقال لو كان شيء أحببت تقتل دوني قال أي والذي بعثك بالحق فلما انتهينا إلى الغار قال مكانك يا رسول الله أستبرئ لك الغار فاستبرأه فجعل يلتمس بيده فكلما رأى حجراً قطع من ثوبه والقمه الجحر حتى فعل ذلك بثوبه أجمع . فبقي جحر فوضع عقبه عليه لئلا يخرج ما يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع رأسه في حجر أبي بكر ونام فلُدغ أبوبكر في رجله من الحجر ولم يتحرك لئلا يوقظ المصطفى صلى الله عليه وسلم فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما لك يا أبا بكر قال لدغت فداك أبي وأمي فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بريقه مكان اللدغة فذهب ما يجده. ولقد أحسن حسان بن ثابت رضي الله عنه حيث قال :
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد طاف العدو به إذ صاعد الجبلا
وكان حب رسـول الله قـد عـلـمـو مـن الـخـلائـق لـم يعدل به بدلا
 
وكان خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة يوم الخميس وخرج من الغار ليلة الإثنين لأنه أقام فيه ثلاث ليال وذلك من أول ربيع الأول ودخل المدينة يوم الجمعة لثنتي عشرة ليلة خلت منه.
 
حكي أن زاهداً من الزهاد اسمه زكريا مرض مرضاً شديداً ودنا وقت أجله فأتاه صديقه في سكرات الموت ولقنه لا إله إلا الله محمد رسول الله فأعرض الزاهد بوجهه ولم يقل فقال ثانياً فأعرض , فقال له ثالثاً فقال لا أقول فغشي على صديقه فلما كان بعد ساعة وجد الزاهد خفة ففتح عينيه فقال هل قلتم لي شيئاً قالوا نعم عرضنا عليك الشهادة ثلاثاً فأعرضت في مرتين وقلت في الثالثة لا أقول فقال أتاني إبليس عليه اللعنة ومعه قدح من الماء ووقف عن يميني وهو يحرك القدح فقال أتحتاج إلى الماء قلت بلى قال قل عيسى ابن الله فأعرضت عنه أتاني من قبل رجلي فقال لي كذلك فأعرضت عنه وفي الثالثة قال لي كذلك فقلت لا أقول فضرب القدح على الأرض وولى هارباً فأنا رددت على إبليس لا عليكم فأنا اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله.
 
وروي عن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله قال سأل بعضهم ربه أن يريه موضع الشيطان من قلب آدم فرأى في النوم جسد رجل شبه البلور يرى داخله من خارجه وراى الشيطان في صورة ضفدع قاعد على منكبه الأيسر بين منكبه وأذنه وخرطوم طويل ودقيق أدخله من منكبه الأيسر إلى قلبه يوسوس إليه فإذا ذكر الله تعالى خنس.
اللهم لا تسلط علينا شيطاناً مريداً ولا إنساناً حسوداً وأعنا على ذكرك وشكرك وصلى الله وسلم على خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين .

(( وقل ربي زدني علماً ))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حِكَم لقمان عليه السلام

قال تعالى : [ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ] .

وقال تعالى : [ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ] .

وصايا لقمان لابنـــه

يا بني : ما ندمت على السكوت قط .

يا بني : اعتــزل الشر يعتزلك ، فإن الشر للشــر خلق ..

يا بني : عود لسانك : اللهم اغفر لي ، فإن لله ساعات لا يـــرد فيها سائـــلاً .

يا بني : اتخذ طاعة الله تجارة تأتيك الأربــاح من غير تجـــارة ..

يا بني : لا تكثر النوم والأكل ، فإن من أكثر منهما جاء يوم القيامة مفلسا من الأعمال الصالحة ..

يا بني : بئراً شربت منـــه ، لا تــــرمي فيه حجــــــراً ...

يا بني : عصفور في قدرك خير من ثــــور في قدْر غيرك ...

يا بني : شئيان إذا حفظتهما لا تبالي بما صنعت بعدهما دينك لمعادك ، ودرهمك لمعاشك .

يا بني : إنه لا أطيب من القلب واللسان إذا صلحــا ، ولا أخبث منهما إذا فسدا .

يا بني : لا تركن إلى الدنيا ولا تشغل قلبك بها فإنك لم تخلق لها ..

يا بني : لا تضحك من غير عجب ، ولا تسأل عما لا يعنيــك ..

يا بني : إنه من يرحم يُرحم ، ومن يصمت يسلم ، ومن يقل الخير يغنم ، ومن لا يملك لسانه يندم ..

يا بني : زاحم العلماء بركبتيك ، وأنصت لهم بأذنيك ، فإن القلب يحيا بنور العلماء .

يا بني : مررت على كثير من الأنبياء فاستفدت منهم عدة أشيــــــاء :

يا بني : إذا كنت في صلاة فاحفــــظ قلبك .

يا بني : وإذا كنت في مجلس الناس فاحفظ لسانك ..

يا بني: وإذا كنت في بيوت الناس فاحفظ بصرك ..

يا بني: وإذا كنت على الطعــام فاحفظ معدتك ..

يا بني : واثــنــتـــان لا تذكرهمـــا أبدأ :

إســـــــــــــاءة الناس إليك

--- وإحسانك للناس