السبت، 27 نوفمبر 2010

في ملازمة الطاعة وترك الحرام

معنى الطاعة القيام بفروض الله تعالى والاجتناب لمحارمه والوقوف عند حدوده . قال مجاهد في قوله تعالى [ وَلا تَنسَ نَصيبَكَ مِنَ الدنيا ] وهو أن يعمل العبد بطاعة الله تعالى. واعلم أن أصل الطاعة العلم بالله والخوف من الله والرجاء في الله والمراقبة لله, فإذا تجرد العبد عن هذه الخصال لم يدرك حقيقة الإيمان لأنه لا تصح الطاعة لله إلا بعد العلم به والإيمان بوجوده خالقاً عالماً قادراً لا يحيط به علم ولا يتصوره وليس كمثله شيء وهو السميع البصير. قال أعرابي لمحمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم هل رأيت الله حين عبدته قال لم أكن أعبد من لم أره قال كيف رأيته قال لم تره الأبصار بمشاهدة العيان لكن رأته القلوب بحقيقة الإيمان لا يدرك بالحواس ولا يشبه بالناس معروف بالآيات منعوت بالعلامات لا يجوز في القضيات ذلك الله لا إله إلا هو رب الأرض والسموات فقال الأعرابي الله أعلم حيث يجعل رسالاته.


سئل بعض العارفين عن علم الباطن فقال هو سر من أسرار الله يقذفه في قلوب أحبابه لم يطلع عليه ملكاً ولا بشراً.
روي كعب الأحبار قال لو أن بني آدم بلغوا من اليقين مثقال حبة من عظمة الله عزوجل لمشوا على الماء والريح . فسبحان من جعل الإقرار بالعجز عن إدراك معرفته إيماناً كما جعل إقرار المنعم عليه بالعجز عن إدراك شكره.
 قال محمود الوراق:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة                علي له في مثلها يجب الـشـكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله                وإن طالت الأيام واتصل العمر
إذا مس السراء عم سرورها                وإن مس الضراء أعقبها الأجر

وإذا ثبت العلم بالربوبية تعين الإقرار بالعبودية وإذا تقرر الإيمان في القلب وجبت الطاعة للرب . والإيمان نوعان ظاهر وباطن فالظاهر النطق باللسان والباطن الاعتقاد بالقلب والمؤمنون متباينون في منازل القرب متفاوتون في درجات الطاعة والإيمان جامع لهم بقدر حظ كل واحد منهم من الموهبة وتمكنه من علو المرتبة في الإخلاص لله والتوكل عليه والرضا بحكمه , فأما الإخلاص فإن لا يطلب العبد بما يعمل جزاء من الخالق والله خلقكم وما تعملون فإن كانت الطاعة رجاء للمثوبة وخوفاً من العقوبة فذلك العبد لا يكون كامل الإخلاص فإنه لنفسه سعى.


وقال تعالى [ وَمِنَ الناس مَن يَعبُدُ اللهَ عَلَى حَرفٍ فَإن أصَاَبَهُ خَيرٌ اطمَأَن بِهِ وَإن أصابَتهُ فِتنةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجهِهِ خَسِرَ الدنيا وَ الآخِرَةَ ] وإنما تعينت علينا عبادته ووجبت طاعته بما سبق له من الفضل علينا وتقدم له من الإحسان إلينا فضلاً عن كونه أمرنا بها ليرتب الجزاء عليها فضلاً ويجازي من ضل عنها عدلاً. وأما التوكل فهو الاعتماد على الله سبحانه عند الحاجة والاستناد إليه مع الضرورة والثقة به عند النازلة مع سكون النفس وطمأنينة القلب فالمتوكلون على ربهم علموا أنه المقدر والأسباب تحت حكم الخالق المدبر لا يركنون لآباء ولا أبناء ولا أموال ولا صنائع بل صرفوا بهديه جميع الأمور إليه ولم يعتمدوا في حال من الاحوال إلا عليه ومن يتوكل على الله فهو حسبه وأما الرضا فهو طيب النفس بما يجري به المقدور , قال بعض العلماء أقرب الناس إلى الله أرضاهم بما قسم لهم . ومن كلام الحكماء رب مسرة هي الداء ومرض هو الشفاء كما قال:
كــــم نــعــمـة مطوية                  لــك بين أنــيــاب الـنـوائـب
ومـسرة قـد أقــبــلــت                  مــن حيث ترتقب المصائب
فاصبر على حـدثــان                  دهـرك فـالأمور لها عواقب
ولكل كــرب فــرجـة                   ولــكـل خـالـصـة شــوائـب

وحسبنا قول الله عزوجل [ وَعَسَى أن تَكرَهُوا شَيئاً وَهُو خَيرٌ لَكُم ].
واعلم أنه لن يستكمل العبد طاعة ربه إلا برفض الدنيا. وفي بعض الحكم والمواعظ مالم يحجبها عن القلب حاجب وهذه الحجب إنما هي عوارض الدنيا ومن كلامهم الدنيا ساعة فاجعلها طاعة قال أبو وليد الباجي:
إذا كنت أعلم علماً يقيـناً                 بـأن جـمـيـع حياتي كساعة
فلم لا أكون ضنيناً بــهـا                 وأجعلها في صلاحٍ وطاعة

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: يقول العبد مالي مالي وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفني أو لبس فأبلى أو تصدق فأمضي, وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس" [مسلم]

وروي عن عيسى عليه السلام أنه قال البر في ثلاثة في النطق والنظر والصمت فمن كان منطقه في غير ذكر الله فقد لغى ومن كان نظره في غير اعتبار فقد سهى ومن كان صمته في غير فكر فقد لهى. وترك الدنيا يكون بإطراح الفكرة في أحوالها وترك التمني بلذاتها فإن الفكرة تبعث الإرادة لتعلق النفس بالفكرة .


وليحذر في إرسال النظر فيما لا يحل فإنه سهم صائب وسلطان غالب  وقد قيل النظر سهم من سهام إبليس فمن تركها مخافة الله تعالى أعقبه إيماناً يجد طعمه في قلبه. ومن كلام الحكماء من أطلق طرفه كثر أسفه إدمان النظر يكشف الخبر ويفضح البشر ويطول به المكث في سقر احفظ عينيك فإنك إن أطلقتها أوقعتاك في مكروه وإن ملكتها ملكت سائر جوارحك.

قيل لأفلاطون أيهما أشد ضرراً بالقلب السمع أم البصر قال هما للقلب كالجناحين للطائر لا يستقل إلا بهما ولا ينهض إلا بقوتهما وربما قص أحدهما فنهض بالآخر على تعب ومشقة. وقال محمد بن ضوء كفى بالعبد نقصاناً عند الله وضعة عند ذوي العقول أن ينظر إلى كل ما يسنح له.

رأى بعض الزهاد رجلاً يضحك إلى غلام فقال له يا خرب العقل والقلب ويا خرب الطرف أما تستحي من كرام كاتبين وملائكة حافظين يحفظون الأعمال وينظرون إليك ويشهدون عليك بالبلاء الظاهر والغل الدخيل المخامر الذي أقمت نفسك فيه مقام من لا يبالي من وقف عليه ونظر من الخلق إليه . وللقاضي الأرجاني:

تمتعتما يـــا ناظري بنظرة            فــأوردتما قلـــــــــبي أشر الموارد
أعيناي كفا عن فؤادي فإنه            من البغي سعى اثنين في قتل واحـد

وقال علي كرم الله وجهه العيون مصائد الشيطان والعين أنفذ الجوارح سرعة وأشدها صرعة فمن أتبع جوارحه نفسه في طاعة ربه فقد وصل أمله ومن تبع جوارحه نفسه في نيل لذته فقد أحبط عمله وأنشدوا:

إذا ما صغت نفس المريد بطاعة            ولما تشبها للمعاصي شوائــــب
وأتبعهــــا فـعـل الـجوارح كلهــا            فتلـــك عليـــه أنعم ومواهـــــب 
تلقـتـــه في دار الخلود كرامــــة             إذا جب للعاصي سنام وغارب

قال عبدالله بن المبارك أضل الإيمان التصديق بما جاءت به الرسل فمن صدق القرآن خرج إلى العمل به ونجا من الخلود في النار ومن اجتنب المحارم خرج إلى التوبة ومن أخذ القوت من حله خرج إلى الورع ومن ادى الفرائض صح إسلامه ومن صدق لسانه سلم من التبعات ومن رد المظالم نجا من القصاص ومن أتى بالسنن زكت أعماله ومن أخلص لله قبل عمله.


وروي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أوصني قال:(( أكتسب طيباً وأعمل صالحاً وسل الله رزق يوم ليوم وعد نفسك من الموتى)). وليحذر من الإعجاب بالعمل فإنه من أعظم الآفات وأحبط الأعمال فإن المعجب بعمله ممتن على ربه وما يدريه أقبل منه أم رد عليه رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً. وليحذر أيضاً من الرياء قيل في قوله تعالى [ وَبَدا لَهُم مِن اللهِ مَا لَم يَكُونُوا يَحتَسِبُون ]<سورة الزمر>, قيل عملوا أعمالاً كانوا يرونها في الدنيا من الحسنات فبدت لهم يوم القيامة من السيئات. وكان بعض السلف إذا قرأ هذه الآية قال ويل لأهل الرياء. وقيل أيضاً في قوله تعالى [ وَلا يُشرِك بِعِبَاَدةِ رَبهِ أَحَداً ]<سورة الكهف>, أي لا يظهرها رياءً ولا يخفيها حياءً.

وروي عن ابن مسعود أن آخر ما نزل من القرآن [ وَاتقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللهِ ثم تُوفى كُلُ نَفسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ] <سورة البقرة> .

قال محمد بن بشير:
مضى أمسُك الأدنى شهيداً معـدلاً               ويومك هذا بالفعال شهيدُ
فإن تك بالأمس اقترفت إســــاءة               فثن بإحسان وأنت حميـدُ
ولا ترج فعل الخير منك إلى غـد               لعل غداً يأتي وأنت فقيـدُ

وقال غيره:
تعجـــل الــــذنـــب بما تشتهـــي               و تــأمــل الـتوبة في قابـل 
والموت يـــأتي بعــد ذا غفلـــــة               ما ذاك فعل الحازم العاقـل

وقال داود لسليمان عليهما السلام يستدل على تقوى المؤمن بثلاث: حسن التوكل فيما لم ينل وحسن الرضا فيما نال وحسن الصبر على ما قد فات. وفي بعض الحكم المنثورة من صبر على البلاء وصل إلى الوفاء قال:
عليك بالصبر إن نابتك نائبة                  من الزمان ولا تركن إلى الـجزع
وإن تعرضت الدنيا بزينتهــا                  فالصبر عنها دليل الخير والورع
فجاهد النفس قسراً فيهما أبداً                  تلـــق الذي ترتجيه غير ممنتــــع

وقال آخر:
الصـــــــبر مفتاح ما يرجى                  ولـــم يــــزل دائـــمــاً يــعــيــــن
فاصـــبر وإن طالت الليالي                   فـــربمــــا ساعــــد الــحـــــزون
وربمــــا نيـــل باصطبـــار                   مــــاقـيــل هـــيـهـات لا يــكــون

وقال آخر:
الصبر أوثق عروة الإيمان                  و مـجـنـة مــن نــزغــة الشيطــان
الصبر فيه عواقب محمودة                  و الطــيش فــيه عــواقب الخسران
فإذا لقيت من الزمان ملمـة                   و كـــذاك فــينا عـــادة الأزمــــان 
فتدرع الصبر الجميل تيقناً                   إن التــصــبر رائـــد الرضــــوان

والصبر له فروع صبر على الفرائض بالمواظبة عليها بكمالها في أحب أوقاتها وصبر على النوافل وصبر على أذى الأصحاب والجار وصبر على الأمراض وصبر على الفقر والصبر على المعاصي وعن الشهوات وعن الشبهات وعن فضول جميع جوارح البدن وغير ذلك.

(( وقل ربي زدني علماً ))

الأربعاء، 24 نوفمبر 2010

في الزكاة والبخل

قال الله تعالى [ ولا تَحسَبَن الذِينَ يَبخلُونَ بما آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ هُو خَيراً لَهُم بل هُوَ شَرٌ لَهُم سَيُطَوقُون ما بخَلِوا بِهِ يَومَ القِيامَةِ ]<سورة آل عمران> وقال تعالى [ وَوَيلٌ لِلمُشرِكِينَ (6) الذِين لا يُؤتُونَ الزكاة ]<سورة فصلت>  سماهم المشركين 

ص: 147 ] أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعله الله يوم القيامة يحمى عليها في نار جهنم فيكوى به جنبه وجبهته وظهره حتى يقضي الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة ، وإما إلى النار ، وما من صاحب غنم لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت , فيبطح لها بقاع قرقر فتنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها , كلما مضت أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة ، وإما إلى النار ، وما من صاحب إبل لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت فيبطح لها بقاع قرقر فتطؤه بأخفافها كلما مضت أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة ، وإما إلى النار  

فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: أقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) رواه ابن ماجه في سننه.

وقال صلى الله عليه وسلم :(( إن الله يبغض البخيل في حياته السخي عند موته ))

وقال صلى الله عليه وسلم :(( خصلتان لا يجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق )). 

وقال صلى الله عليه وسلم :(( إياكم والبخل فإن البخل دعا قوماً فمنعوا زكاتهم ودعاهم فقطعوا أرحامهم ودعاهم فسفكوا دماءهم )). وقال صلى الله عليه وسلم :(( خلق الله اللؤم فحفه بالبخل والمال)).


سئل الحسن البصري رضي الله عنه عن البخل قال هو أن يرى الرجل ما أنفق تلفاً وما أمسك شرفاً. وأصل البخل حب المال وطول الأمل وخوف الفقر وحب الولد ففي الحديث الولد مجبنة مبخلة ومن الناس من لا يسمح بأداء زكاة ماله ولا بالإحسان إلى نفسه وعياله وإنما لذته ورغبته في رؤية دنانيره وكونها في قبضته وهو عالم أنه يموت وفي مثله يقول الشعراء :

أأخي إن من الرجال بهيمة                  في صورة الرجل الـلبيب المبصر
فطن بكل مصيبة في مـالـه                  فــإذا أصـيـب بـديـنه لم يــشــعــر

وقال آخر :

إذا المال لم ينفع صـديـقاً ولا               قـريبـاً ولـم يجبر به حال معدم
فعقباه إن تحتازه كف وارث               وللباخل الموروث عقبى التندم

وقال بشر : لقاء البخيل كرب والنظر إليه يقسي القلب. وكانت العرب تتعاير بالبخل والجبن , وقال الشاعر:

أنفق ولا تخش إقلالاً فقد قسمت            على العباد من الرحمن أرزاق 
لا يـنـفـع الـبـخـل مع دنيا مولية            ولا يـضـر مـع الإقـبـال إنـفاق     

وقال آخر:
أرى الناس خلان الـجواد ولا أرى         بـخـيـلاً له في العالمين خليل
وإني رأيــت الـبـخـل يزري بأهله         فأكرمـت نفسي أن يقال بخيل

وقال آخر:
لـئـيــم لا يــزال يــلــم وفــرا                لـــوارثــه ويـدفـع عن حماه
ككلب الصيد يمسك وهو طاو                فـريـسـتـه لـيـأكـلـهـا ســواه


وفي الحِكَم المنثورة بُشِرَ مال البخيل بحادث أو بوارث . وقال أبو حنيفة رحمه الله لا أرى أن أعدل بخيلاً لأن البخل يحمله على الاستقصاء فيأخذ فوق حقه خيفة من أن يغبن فمن كان هكذا لا يكون مأمون الأمانة . 
روايه أن  يحيى عليه السلام ظهر له إبليس فقال له إبليس أخبرني بأحب الناس إليك وأبغض الناس إليك قال أحب الناس إلي المؤمن البخيل وأبغض الناس إلي الفاسق السخي قال له لماذا قال لأن المؤمن البخيل قد كفاني بخله والفاسق السخي أتخوف أن يطلع عليه الله في سخائه فيقبله ثم ولى وهو يقول لولا أنك يحيى لما أخبرتك.

 (( وقل ربي زدني علماً ))

الأحد، 21 نوفمبر 2010

في طول الأمل


وقال صلى الله عليه وسلم :(( أنا زعيم لثلاثة بثلاثة للمكب على الدنيا والحريص عليها والشحيح بها بفقر لا غنى بعده وشغل لا فراغ منه وهم لا فرج معه )). وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه أشرف على أهل حمص فقال ألا تستحيون تبنون مالا تسكنون وتأملون مالا تدركون وتجمعون مالا تأكلون إن الذين كانوا قبلكم بنوا شديداً وجمعوا كثيراً وأملوا بعيداً فأصبحت مساكنهم قبوراً وآمالهم غروراً وجمعهم بوراً. وقال علي بن أبي طالب لعمر رضي الله عنهما إذا أردت أن تلقى صاحبيك فارقع قميصك واخصف نعلك واقصر أملك وكُل دون الشبع.


وأوصى آدم عليه السلام أبنه شيث عليه السلام بخمسة أشياء وأمره أن يوصي بها أولاده من بعده أولها قال له قل لأولادك لا تطمئنوا للدنيا فإني اطمأننت بالجنة الباقية فأخرجني الله منها , والثاني قل لهم لا تعملوا بهوى نسائكم فإني عملت بهوى امرأتي وأكلت من الشجرة فلحقتني الندامة , والثالث قل لهم كل عمل تريدونه فانظروا عاقبته فإني لو نظرت عاقبة الأمر لم يصبني ما أصابني , والرابع إذا اضطربت قلوبكم بشيء فاجتنبوه فإني حين أكلت من الشجرة اضطرب قلبي فلم ارجع فلحقني الندم , والخامس استشيروا في الأمور فإني لو شاورت الملائكة لم يصبني ما أصابني. وقال مجاهد قال لي عبدالله بن عمر إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح وخذ من حياتك قبل موتك ومن صحتك قبل سقمك فإنك لا تدري ما اسمك غداً. 

رقم الحديث: 136
(حديث مرفوع) قَالَ : وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ , بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ لِأَصْحَابِهِ :  " أَيُرِيدُ كُلُّكُمْ أَنْ  يَدْخُلَ الْجَنَّةَ ؟ " قَالُوا : نَعَمْ . جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى فِدَاءَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : " قَصِّرُوا الْأَمَلِ وَاسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ " . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّنَا نَسْتَحْيِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى . قَالَ : " لَيْسَ ذَلِكَ بِالْحَيَاءِ وَلَكِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، أَنْ تَذْكُرُوا الْمَقَابِرَ وَالْبِلَى وَتَحْفَظُوا الْجَوْفَ وَمَا وَعَى وَالرَّأْسَ وَمَا حَوَى وَمَنْ يَشْتَهِي كَرَامَةَ الْآخِرَةِ يَدَعُ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَهُنَالِكَ يَسْتَحِي الْعَبْدُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى حَقَّ الْحَيَاءِ وَبِهَا يُصِيبُ وِلَايَةَ اللَّهِ تَعَالَى "  .


وقال صلى الله عليه وسلم :(( أول صلاح هذه الأمة بالزهد واليقين وهلاك آخرها بالبخل والأمل ))[أخرجه أحمد في الزهد، وحسنه الألباني]


وروي عن أم المنذر أنها قالت اطلعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عشية إلى الناس فقال: أيها الناس أما تستحيون من الله قالوا وما ذاك يا رسول الله قال : ((تجمعون مالا تأكلون وتأملون مالا تدركون وتبنون مالا تسكنون ))أخرجه ابن أبي الدنيا

رقم الحديث: 7(حديث مرفوع) وَحَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ جَعْفَرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ،  عَنْعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ :  اشْتَرَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَلِيدَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى شَهْرٍ ، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : "  أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ أُسَامَةَ الْمُشْتَرِي إِلَى شَهْرٍ ؟ إِنَّ أُسَامَةَ لَطَوِيلُ الْأَمَلِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا طَرَفَتْ عَيْنَايَ إِلَّا ظَنَنْتُ أَنَّ شَفْرَيَّ لَا  يَلْتَقِيَانِ حَتَّى يَقْبِضَ اللَّهُ رَوْحِي ، وَلَا رَفَعْتُ طَرْفِي فَظَنَنْتُ أَنِّي وَاضِعُهُ حَتَّى أُقْبَضَ ، وَلَا لَقِمْتُ لُقْمَةً إِلَّا ظَنَنْتُ أَنِّي لَا أَسِيغُهَا حَتَّى أَغُصَّ بِهَا مِنَ الْمَوْتِ " ، ثُمَّ قَالَ : " يَا بَنِي آدَمَ ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ فَعُدُّوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْمَوْتَى ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ "  .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يهريق الماء فيتمسح بالتراب فأقول له يا رسول الله إن الماء منك قريب فيقول: ما يدريني لعلي لا أبلغه.


وقيل بينما عيسى عليه السلام جالس وشيخ يعمل بمسحاة يثير بها الأرض فقال عيسى : اللهم انزع منه الأمل فوضع الشيخ المسحاة واضطعج فلبث ساعة فقال عيسى اللهم اردد عليه الأمل فقام فجعل يعمل فسأله عيسى عليه السلام عن ذلك فقال بينما أنا أعمل إذ قالت لي نفسي إلى متى تعمل وأنت شيخ كبير فألقيت المسحاة واضطجعت ثم قالت لي نفسي والله لا بد لك من عيش ما بقيت فقمت إلى مسحاتي.



  (( وقل ربي زدني علماً ))

السبت، 20 نوفمبر 2010

في بيان الزنا

قال الله سبحانه وتعالى [ وَالذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ ] أي عن الفواحش وعما لا يحل لهم كما قال الله تعالى في آية أخرى [ وَلاَ تَقرَبُوا الفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنها ومَا بَطَنَ ] يعني ما كبر وهو الزنا وما صغر وهو القبلة واللمس والنظر كما جاء في الخبر عن سيد البشر صلى الله عليه وسلم أنه قال: العينان تزنيان ، وزناهما النظر ، واليدان تزنيان ، وزناهما البطش }; قلت : أخرجه مسلم .
قال تعالى [ قُل للِمُؤمِنِينَ يَغُضوا مِن أبصَارِهِم وَيَحفَظُوا فُرُوجَهُم ذِلكَ أزكَىَ لَهُم ]الآيه... قد أمر الله تعالى الرجال والنساء بغض البصر عن الحرام وبحفظ الفرج عن الحرام وقد حرم الله الزنا في آيات كثيرة قال الله تعالى [ومن يَفعَل ذلِكَ يَلقَ أثاماً ] يعني عقاباً في النار ويقال وادياً في النار ويقال جب في النار إذا فتح فمه صاح أهل جهنم من خبث رائحته.

وروي عن بعض الصحابة أنه قال : إياكم والزنا فإن فيه ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة فأما التي في الدنيا فنقصان في الرزق وقطع الأجل وسواد الوجه واما التي في الآخرة فغضب الله وشدة الحساب ودخول النار.

وروي عن موسى عليه السلام قال يارب ما العقاب لمن زنى ؟ قال الله تعالى ألبسه درعاً من النار لو وضع على جبل شاهق لأصبح رماداً.
ورد أن امرأة فاجرة أحب إلى إبليس من ألف فاجر . وفي المصابيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( إذا زنى العبد خرج منه الإيمان وكان فوق رأسه كالظلة فإذا خرج من ذلك العمل رجع إليه الإيمان )). وقال صلى الله عليه وسلم :(( ما من ذنب أعظم عند الله من نطفة يضعها الرجل في رحم من لا تحل له )). واللواط أشد من الزنا لما روي عن انس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(( من لاط لا يجد رائحة الجنة وإن رائحتها لتوجد من مسيرة خمسمائة عام )). قال القاضي الإمام رحمه الله سمعت بعض المشايخ يقول إن مع كل امرأة شيطاناً ومع كل غلام ثمانية عشر شيطاناً. وروي من قبلَ غلاماً بشهوة عذبه الله تعالى في النارخمسمائة عام ومن قبل امرأة بشهوة فكأنما قبل زنى بسبعين بكراً ومن زنى بالبكر فكأنما زنى بسبعين ألف ثيب.


وفي رونق التفاسير قال الكلبي إن أول من عمل عمل قوم لوط إبليس لعنه الله فتصور لهم في صورة غلام أمرد جميل ثم دعاهم إلى نفسه فنكحوه فصار ذلك عادة لهم في كل غريب فأرسل إليهم لوط عليه السلام فنهاهم عن ذلك ودعاهم إلى عبادة الله وتوعدهم على إصرار المعصية بعذاب الله فقالوا له ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين فسأل لوط عليه السلام ربه أن ينصره عليهم فقال ربي أنصرني على القوم المفسدين فأمر الله السماء أن تمطر عليهم الحجارة مكتوب على كل حجر اسم من رمي به وهو معنى قوله تعالى [ مُسَومَةً عِندَ رَبكَ ] أي معلمة أي عليها علامة في خزائن الله أو في حكمه.


وحكي أن رجلاً تاجراً من قوم لوط كان بمكة فجاء حجر ليصيبه في الحرم فقالت الملائكة للحجر ارجع من حيث جئت فإن الرجل في حرم الله فرجع الحجر فوقف خارج الحرم أربعين يوماً بين السماء والأرض حتى قضى الرجل تجارته فلما خرج أصابه الحجر خارجاً عن الحرم فأهلكه وكان لوط قد أخرج امرأته معه ونهى من تبعه أن لا يلتفت خلفه إلا امرأة لوط فإنها لما سمعت العذاب التفتت وقالت واقوماه فأدركها حجر فوقع على رأسها فقتلها . قال مجاهد لما أصبحوا غدا جبريل عليه السلام على قريتهم وقلعها أركانها ثم أدخل جناحه ثم حملها على حوافي جناحه بما فيها ثم صعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء صياح ديكتهم ونباح كلابهم ثم قلبها فكان أول ما سقط منها سرادقها فلم يصب قوماً ما أصابهم ثم إن الله طمس على أعينهم ثم قلبت قريتهم وهي خمس مدائن أكبرها سدوم وهي المؤتفكات المذكورة في سورة براءة يقال كان فيها أربعة آلاف ألف هذا والله أعلم .

  ( وقل ربي زدني علماً )  

السبت، 13 نوفمبر 2010

فــي بيان الغيبة والنميمة

إعلم أن الله سبحانه وتعالى نص على ذم الغيبة في كتابه وشبه صاحبها بآكل لحم الميتة فقال تعالى [ وَلَا يَغتَب بَعضُكُم بَعضاً أَيُحِبُ أَحَدُكُم أن يأكُلَ لَحمَ أخِيهِ مَيتاً فَكَرِهتُمُوهُ ] وقال صلى الله عليه وسلم : ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)). وقال صلى الله عليه وسلم :((إياكم والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا فإن الرجل قد يزني ويتوب فيتوب الله عليه وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبها )). وقالوا مثل من يغتاب الناس كمثل من نصب منجنيقاً فهو يرمي بها يميناً وشمالاً فهو يرمي بحسناته كذلك. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((من رمى أخاه بغيبة يريد بها شينه أوقفه الله تعالى على جسر جهنم يوم القيامة حتى يخرج مما قال )). وقال صلى الله عليه وسلم :(( الغيبة ذكراك أخاك بما يكره أي سواء ذكرته بنقصان بدنه أو نسبه أو فعله أو قوله أو دينه أو دنياه حتى في ثوبه وردائه ودابته)) حتى ذكر بعض المتقدمين لو قلت إن فلاناً ثوبه طويل أو قصير يكون ذلك غيبة فكيف ذكراك ما يكره من نفسه .


وروي أن امرأة قصيرة دخلت على الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض حاجاتها فلما خرجت قالت عائشة رضي الله عنها ما أقصرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أغتبتها يا عائشة . وقال صلى الله عليه وسلم :(( إياكم والغيبة فإن فيها ثلاث آفات لا يستجاب لصاحبها دعاء ولا تقبل له حسنة وتتراكم عليه السيئات)). وقال صلى الله عليه وسلم في ذم النميمة :((شر الناس يوم القيامة ذو الوجهين النمام الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه من كان ذا وجهين في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار )). وعن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال :(( لا يدخل الجنة نمام )) .

حكي عن أبي الليث البخاري أنه خرج حاجاً فجعل في جيبه درهمين وحلف إن إغتبت أحداً ذاهباً أو آيباً فالله علي أن أتصدق بهما فذهب إلى مكة ورجع إلى منزله والدرهمان في جيبه فقيل له في ذلك قال لأن أزني مائة مرة أحب إلى من أن اغتاب مرة واحدة . قال أبو حفص الكبير لو لم اصم رمضان أحب إلي من أن اغتاب إنساناً ثم قال من اغتاب فقيهاً جاء يوم القيامة مكتوباً على وجهه هذا آيس من رحمة الله . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( مررت ليلة أسري بي على أقوام يخمشون وجوههم بأظافيرهم ويأكلون الجيفة فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس في الدنيا )).

وقال الحسن رضي الله عنه والله للغيبة أسرع في دين الرجل المؤمن من الآكلة في الجسد. وقال أبوهريرة رضي الله عنه يبصر أحدكم القذى في عين أخيه ولا يبصر الجذع في عين نفسه.وروي أن سلمان كان في سفرمع أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين وكان يطبخ لهما فنزلوا منزلاً فلم يتهيأ أن يصلح لهم الطعام فبعثاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر عنده شيئاً من الطعام فلم يجد فرجع إليهما فقالا إنه لو ذهب إلى بئر كذا ليبس ماؤها فنزلت الآيه [ وَلاَ يَغتَب بَعضُكُم بَعضاً أيُحِبُ أحَدُكُم أن يَأكُلَ لَحمَ أخيِهِ مَيتاً فَكَرِهتمُوُهُ ]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((من أكل لحم أخيه في الدنيا قدم إليه لحمه يوم القيامة ويقال كله ميتاً فإنك أكلته حياً فيأكله... ثم تلى قوله تعالى [ أيُحِبُ أحَدُكُم أن يَأكُلَ لَحمَ أخيِهِ مَيتاً ].


وروي عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه أن ريح الغيبة كانت تبين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لقلتها , وأما في هذه الأزمان فقد كثرت الغيبة وامتلأت الأنوف منها فلا تميز رائحتها , ومثل ذلك كمثل رجل دخل دار الدباغين فلم يقدر على القرار فيها من شدة الرائحة ونتنها وأهلها المقيمون فيها ويأكلون الطعام ويشربون فيها لا تتبين لهم الرائحة المنتنة لأنها ملأت أنوفهم فكذلك أمر الغيبة في أيامنا هذه.


قال كعب رضي الله عنه قرأت في بعض الكتب أن من مات تائباً من الغيبة كان آخر من يدخل الجنة ومن مات مصراً عليها كان أول من يدخل النار. وقال تعالى [ وَيلٌ لِكُل هُمَزةٍ لُمَزَةٍ ] أي أشد العذاب للهمزة الذي يعيبك في الغيب واللمزة الذي يعيبك في وجهك. والآية نزلت في الوليد بن المغيرة وكان يغتاب الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين في وجوههم ويجوز أن يكون السبب خاصاً والوعيد عاماً. 

وينبغي لصاحب الغيبة أن يستغر الله قبل القيام من المجلس وقبل أن تصل إلى المغتاب لأنه إذا تاب صاحب الغيبة قبل وصولها إلى المغتاب تقبل توبته أما إذا بلغته فلا يرتفع عنه الإثم بالتوبة, وكذلك إذا زنى بامرأة لها زوج فبلغه الخبر لا يرتفع بالتوبة ما لم يجعله في حل وأما ترك الصلاة والزكاة والصوم والحج فلا يرتفع بالتوبة بل بقضاء الفائت من ذلك والله اعلم .

        (( وقل ربي زدني علماً ))  

الخميس، 11 نوفمبر 2010

فــي فــضــل الــتـرحــم


رقم الحديث: 1461(حديث مرفوع) أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ ، عَنْ أَخِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ  لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلا رَحِيمٌ " ، قُلْنَا : كُلُّنَا رَحِيمٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " لَيْسَتِ الرَّحْمَةُ أَنْ يَرْحَمَ أَحَدُكُمْ خَاصَّتَهُ حَتَّى يَرْحَمَ الْعَامَّةَ ، وَيَتَوَجَّعَ لِلْعَامَّةِ "  .

ومعنى رحمته لنفسه أن يرحمها من عذاب الله تعالى بترك المعاصي والتوبة منها وفعل الطاعات والإخلاص فيها ومعنى رحمته لغيره لا يسعى في أذية مسلم . قال صلى الله عليه وسلم (( المسلم من سلم الناس من يده ولسانه )). ويرحم البهائم فلا يكلفها مالا تطيق. فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(( بينما رجل يمشي في الطريق فاشتد عليه العطش فوجد بئراَ فنزل بها وشرب ثم طلع فإذا كلب يلهث من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني فملاً خفه ماء ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب فشكر الله تعالى له فغفر له قالوا يا رسول الله:(( إن لنا في البهائم لأجراً قال في كل ذات كبد رطبة أجر )).


وعن أنس بن مالك قال بينما عمر رضي الله عنه يعس ذات ليلة إذ مر برفقة قد نزلت فخشي عليهم السرقة فلقي عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه فقال ما الذي جاء بك في هذه الساعة يا أمير المؤمنين قال مررت قد نزلت فحدثتني نفسي أنهم إذا باتوا ناموا فخشيت عليهم السارق فانطلق بنا نحرسهم قال فانطلق بنا نحرسهم قال فانطلقا فقعدا قريبا من الرفقة يحرسان حتى إذا طلع الفجر نادى عمر رضي الله عنه يا أهل الرفقة الصلاة حتى إذا رآهم تحركوا انصرف فعلينا أن نقتدي بالصحابة رضي الله عنهم فقد مدحهم الله تعالى بقوله رحماء بينهم وكانوا رحماء على المسلمين وعلى جميع الخلق وكانوا يرحمون أهل الذمة .


فقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه رأى رجلاً من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس وهو شيخ كبير فقال له عمر رضي الله عنه ما انصفناك أخذنا منك الجزية مادمت شاباً ثم ضيعناك اليوم وأمر بأن يجري عليه قوته من بيت مال المسلمين.

وعن الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :(( بدلاء أمتي لا يدخلون الجنة بكثرة صلاة ولا صيام ولكن يدخلونها بسلامة الصدور وسخاوة النفوس والرحمة لجميع المسلمين )). وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :(( الراحمون يرحمهم الرحمن إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )). وعنه صلى الله عليه وسلم :(( من لا يَرحم لا يُرحم ومن لا يغفر لا يُغفر له )). وقال مالك بن أنس قال رسول صلى الله عليه وسلم :(( أربع من حق المسلمين عليك : أن تعين محسنهم وأن تستغفر لمذنبهم وأن تعود مريضهم وأن تحب تائبهم )).


وروي أن موسى عليه السلام قال يا رب بأي شيء اتخذتني صفياً قال برحمتك على خلقي. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه كان يتبع الصبيان فيشتري منهم العصافير فيرسلها ويقول اذهبي فعيشي. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتواصلهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر )).


وحكي أن عيسى عليه السلام خرج يوماً فلقي إبليس وبيده عسل وفي الاحرى رماد فقال ما تفعل يا عدو الله بهذا العسل والرماد ؟ قال أما العسل فأجعله على شفاء المغتابين حتى يبلغوا منها وأما الرماد فأضعه على وجه اليتامى حتى يبغضهم الناس . وقال صلى الله عليه وسلم :(( إن اليتيم إذا ضُرب اهتز عرش الرحمان لبكائه فيقول الله عز وجل يا ملائكتي من أبكى هذا الصبي الذي غيبت أباه في التراب )).  وقال صلى الله عليه وسلم :(( من آوى يتيماً إلى طعامه و شرابه أوجب الله له الجنة )).

وفي روضة العلماء كان إبراهيم عليه السلام إذا أراد أن يأكل طعاماً مشى الميل والميلين يطلب من يأكل معه وبكى علي كرم الله وجهه يوماً فقيل ما يبكيك قال لم يأتني ضيف منذ سبعة أيام فأخاف أن يكون الله قد أهانني . 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((من أطعم جائعاً يريد به وجه الله وجبت له الجنة ومن منع الطعام عن الجائع منع الله عنه فضله يوم القيامة وعذبه في النار)). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد عن النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار)). 

وقال صلى الله عليه وسلم :(( الجاهل السخي أحب إلى الله من العابد البخيل)). وقال صلى الله عليه وسلم :(( إذا كان يوم القيامة يدخل الجنة أربعة بغير حساب : العالم الذي يعمل بعلمه , ومن حج ولم يرفث ولم يفسق حتى مات , والشهيد الذي قتل في معركة لإعلاء كلمة الإسلام , والسخي الذي اكتسب مالاً من الحلال وأنفقه في سبيل الله بغير رياء , فهؤلاء ينازع بعضهم بعضاً أيهم يدخل الجنة أولاً)). وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((إن لله عباداً يختصهم بالنعم لمنافع العباد فمن بخل بتلك المنافع على العباد نقلها الله تعالى عنه وحولها إلى غيره)). وقال صلى الله عليه وسلم :((السخاء شجرة من شجر الجنة أغصانها متدلية إلى الأرض فمن أخذ بغصن منها قاده ذلك الغصن إلى الجنة )). وعن جابر رضي الله عنه قال قيل يا رسول الله أي الأعمال أفضل :(( قال الصبر والسماحة )).
وروى المقدام بن شريح عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة قال :((إن من موجبات المغفرة بذل الطعام , وإفشاء السلام , وحسن الكلام)).

      (( وقل ربي زدني علماً ))

الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

فــي عداوة الشيطان


يجب على المؤمن أن يحب العلماء والصلحاء ويلازم مجالستهم ويسأل ما لا بد له ويتعظ بنصحهم ويجتنب الأعمال القبيحة ويتخذ الشيطان عدواً كما قال الله تعالى [ إن الشيطان لَكُم عَدُوٌ فَاتخِذُوُهُ عَدُواً ] أي فعادوه بطاعة الله تعالى ولا تطيعوه في معاصي الله تعالى وكونوا على حذر منه في جميع أحوالكم وأفعالكم وعقائدكم عن صميم قلوبكم وإذا فعلتم فعلاً فتفطنوا له فإنه ربما يدخل عليكم فيه الرياء فيزين لكم القبائح واستعينوا بربكم . قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً وقال: هذه سبيل الله خط خطوطاً عن يمين الخط وعن شماله ثم قال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا إليه ثم تلا قوله تعالى [ وأَن هذا صِراطي مُستَقيماً فَاتبِعوهُ ولا تَتبِعُوا السبُلَ فَتَفَرقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ] فبين لنا صلى الله عليه وسلم كثرة طرق الشيطان.
 
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كان راهب في بني إسرائيل فعمد الشيطان إلى جارية فخنقها وألقى في قلوب أهلها أن دواءها عند الراهب فأتوا بها إليه فأبى أن يقبلها فلم يزالوا به حتى قبلها فلما كانت عنده ليعالجها أتاه الشيطان فزين له مقاربتها ولم يزالوا به حتى قبلها فلما كانت عنده ليعالجها أتاه الشيطان فزين له مقاربتها ولم يزل به حتى واقعها فحملت منه فوسوس إليه وقال الآن تفتضح يأتيك أهلها فاقتلها فإن سألوك فقل ماتت فقتلها ودفنها فأتى الشيطان أهلها فوسوس إليهم وألقى في قلوبهم أنه أحبلها ثم قتلها ودفنها فأتاه أهلها فسألوه عنها فقال ماتت فأخذوه ليقتلوه بها فأتاه الشيطان فقال أنا الذي خنقتها وأنا الذي القيت في قلوب أهلها فأطعني تنج وأخلصك منهم قال بماذا قال أسجد لي سجدتين ففعل فقال له الشيطان إني برئ منك. فهو الذي قال الله تعالى فيه 
كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ].
 
روي أن إبليس سأل الشافعي رحمه الله ما قولك فيمن خلقني كما اختار واستعملني كما اختار وبعد ذلك إن شاء أدخلني الجنة وإن شاء أدخلني النار أعدل في ذلك أم جار ؟ فنظر في كلامه ثم قال يا هذا إن كان خلقك لما تريد أنت فقد ظلمك وإن كان خلقك لما يريد هو فلا يسئل عما يفعل , فاضمحل حتى صار لا شي ثم قال والله يا شافعي لقد أخرجت بمسئلتي هذه سبعين ألف عابد من ديوان العبودية .
 
واعلم أن مثال القلب مثال حصن والشيطان يريد أن يدخل الحصن فيملكه ويستولي عليه ولا يقدر على حفظ الحصن من العدو إلا بحراسة أبواب الحصن ومداخله ومواضع ثلمه ولا يقدر على حراسة أبوابه من لا يدريها.
 فحماية القلب ن وسواس الشيطان واجب وهو فرض عين على كل مكلف وما لا يتوصل إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة مداخله فصارت معرفة مداخله واجبة ومداخله وأبوابه صفات العبد وهي كثيرة . 

منها الغضب والشهوة فإن الغضب غول العقل وإذا ضعف العقل هجم جند الشيطان ومهما غضب الانسان لعب الشيطان به كما يلعب الصبي بالكرة . وقد ذكر أن بعض الأولياء قال لإبليس أرني كيف تغلب ابن آدم فقال آخذه عند الغضب وعند الهوى . ومنها الحرص والجد وأصمه حينئذ يجد الشيطان فرصة فيحسن عند الحريص كل ما يوصله إلى شهوته وإن كان منكراً وفاحشاً فقد روي أن نوحاً عليه السلام لما ركب السفينة حمل فيها من كل زوجين اثنين كما أمره الله تعالى فرأى في السفينة شيخاً لم يعرفه فقال له نوح ما أدخلك فقال دخلت لأصيب قلوب أصحابك فتكون قلوبهم معي وأبدانهم معك فقال نوح اخرج منها يا عدو الله فقال له إبليس خمسٌ أهُلِك بهن الناس وسأحدثك منهن بثلاث ولا أحدثك باثنين فأوحى الله إلى نوح أنه لا حاجة لك بالثلاث فليحدثك بالاثنتين فقال له نوح حدثني ما الاثنتان فقال هما اللتان لا تكذباني هما اللتان لا تخلفاني بهما أُهُلِك الناس:(((الحرص والحسد))) فبالحسد لعنت وجعلت رجيماً وأما بالحرص فإنه أبيح لآدم الجنة كلها إلا الشجرة فأصبت حاجتي منه بالحرص.
ومنها أيضاً الشبع من الطعام وإن كان حلالاً صافياً فإن الشبع يقوي الشهوات وهي أسلحة الشيطان.
 
فقد روي أن إبليس ظهر ليحيى عليه السلام فرأى عليه معاليق من كل شي فقال له يا إبليس ماهذه المعاليق قال هذه الشهوات التي أصبت بها ابن آدم فقال فهل لي فيها من شي قال ربما شبعت فثقلناك عن الصلاة وعن الذكر قال فهل غير ذلك قال لا قال لله علي أن لا أملأ بطني من الطعام أبداً فقال له إبليس ولله علي أن لا أنصح مسلماً أبداً.
 
ومنها الطمع في الناس فقد روي عن صفوان بن سليم أن إبليس تمثل لعبدلله بن حنظلة فقال له يا ابن حنظله احفظ عني شيئاً أعلمك به فقال له لا حاجة لي به قال انظر فإن كان خيراَ أخذت وإن كان شراً رددت يا ابن حنظلة لا تسأل أحداُ غير الله سؤال رغبة وانظر كيف تكون إذا غضبت فإني أملكك إذا غضبت.
 
ومنها العجلة وترك التثبت في الامور. قال صلى الله عليه وسلم : (( العجلة من الشيطان والتأني من الله تعالى فعند الاستعجال يروج الشيطان شره على الإنسان من حيث لا يدري )).
فقد روي أنه لما ولد عيسى عليه السلام أتت الشياطين إبليس فقالوا له أصبحت الاصنام قد نكست رؤوسها فقال هذا حادث قد حدث مكانكم فطار حتى أتى خافقي الأرض فلم يجد شيئاً فوجد عيسى عليه السلام قد ولد وإذا بالملائكة حافين به فرجع إليهم فقال إن نبياً قد ولد البارحة ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا وأنا حاضرها إلا هذا فايئسوا أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة , ولكن أئتوا بني آدم من قبل العجلة والخفة .
 
ومنها الأموال من الدوآب والعقار فإن كل ما يزيد على قدر القوت والحاجة فهو مستقر الشيطان . قال ثابت البناني لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إبليس لشياطينه لقد حدث أمر فانظروا ما هو فانطلقوا حتى أعيوا ثم جاؤوه وقالوا ما ندري قال أنا آتيكم بالخبر فذهب ثم جاء وقال قد بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم قال فجعل يرسل شياطينه إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فينصرفون خائبين ويقولون ما صحبنا يوماً قط مثل هؤلاء نصيب منهم ثم يقومون إلى صلاتهم فيمحق ذلك. فقال لهم إبليس رويداً بهم عسى الله أن يفتح لهم الدنيا فنصيب منهم حاجاتنا .
ومنها البخل وخوف الفقر فإن ذلك هو الذي يمنع من الانفاق والتصدق ويدعوا إلى الادخار والكنز والعذاب الاليم ومن آفات البخل الحرص على ملازمة الأسواق لجمع المال وهي معشش الشيطان .
 
ومنها التعصب للمذاهب والأهواء والحقد على الخصوم والنظر لهم بعين الاحتقار وذلك مما يهلك العباد والفساق جميعاً . قال الحسن رضي الله عنه بلغنا أن إبليس قال سولت لأمة محمد صلى الله عليه وسلم المعاصي فقصموا ظهري بالاستغفار فسولت لهم ذنوباً لا يستغفرون الله منها وهي الأهواء وقد صدق الملعون فإنهم لا يعلمون أن في ذلك من الأسباب التي تَجرُ إلى المعاصي فكيف يستغفرون منها .
 
ومنها سوء الظن بالمسلمين فيجب الاحتراز عنه وعن تهمة الأشرار فمهما رأيت إنساناً يسئ الظن في الناس طلباً للعيوب فاعلم أنه خبيث باطناً وأن ذلك يترشح منه فيجب على الانسان قطع هذه الأبواب من القلب ويعينه على ذكر الله تعالى.
 
قال إسحق لما رأى كفار قريش هجرة الصحابة وعرفوا أنه صار له صلى الله عليه وسلم أصحاب غيرهم فحذروا خروجه وعرفوا أنه جمع لحربهم فاجتمعوا في دار الندوة وهي دار قصي بن كلاب وسميت بذلك لاجتماع الندي فيها يتشاورن , وكانت قريش لاتقضي أمراً إلا فيها ولا يدخلون فيها غير القرشي إلا إذا كان قد بلغ فوق الأربعين بخلاف القرشي وقد أدخلوا أباجهل واجتمعوا يوم السبت ولذا ورد يوم السبت يوم مكر وخديعة ومعهم إبليس في صورة شيخ نجدي وذلك أنه وقف على باب الدار في هيئة شيخ جليل عليه قيل كساء غليظ أو طيلسان من خز فقالوا ممن الشيخ قال من جد سمع بالذي اتعدتم له فحضر ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدكم رأيا ونصحا , قالوا ادخل فدخل فتشاوروا في أمر النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا مائة رجل وقيل كانوا خمسة عشر رجلاً فقال أبو البحيري المقتول كافراً ببدر إحبسوه في الحديد وأغلقوا عليه باباً ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء قبله, فقال النجدي ماهذا برأي والله لو حبستموه في الحديد ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من أيديكم ثم تكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ماهذا برأي فأنظروا في غيره فقال الأسود بن ربيعة بن عمرو العامري نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا فلا نبالي أين ذهب فقال النجدي لعنه الله والله ما هذا برأي ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به والله لو فعلتم ذلك ما أمنت أن يحل علي حي من العرب فيغلب بذلك عليهم من قوله حتى يتابعوه عليكم ثم يسير بهم إليكم فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد أديروا فيه رأياً غير هذا فقال أبو جهل والله إن لي فيه رأياً ما أراكم وقعتم عليه , أرى أن تأخذوا من كل قبيلة فتى شاباً جلداً نسيباً و سيطاً ثم يعطى كل فتى منهم سيفاً صارماً ثم يعمدوا إليه فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه ويتفرق دمه في القبائل فلا تقدر بنوعبد مناف على حرب قومهم جميعاً فنعقله لهم , فقال النجدي لعنه الله القول ما قال لا أرى غيره فأجمع رأيهم على قتله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا على ذلك ثم أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال لاتبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه فلما كان الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبوا عليه فأمر عليه السلام علياً أن فنام مكانه وغطي ببرد ببرد له صلى الله عليه وسلم أخضر كان يشهد به الجمعة والعيدين بعد ذلك عند فعلهما فكان أول من شرى نفسه في الله ووقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم 

وفي ذلك يقول علي رضي الله عنه شعراً

وقيت بنفسي خير من وطئ الثرى         ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
رسول إله خاف أن يمكروا به              فنجاه ذو الطول الإله من المكر
وبات رسول الله في الغار آمنا             موقى وفي حفظ الإله وفي ستر
وبت أراعيهم وما يتمونني وقد            وطنت نفسي على القتل والأسر

ثم خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من الباب عليهم وقد الله على أبصارهم فلم يره أحد منهم ونثر على رؤوسهم كلهم تراباً كان في يده وهو يتلو قوله تعالى [ يس] إلى قوله [ فَأغشيَناهُم فَهُم لا يُبصِرُونَ ] ثم إنصرف حيث أراد فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال ما تنتظرون ههنا قالوا محمداً قال خيبكم الله والله خرج عليكم ثم ما ترك منكم رجلاً إلا وضع على رأسه تراباً وانطلق لحاجته فما ترون مابكم ؟ فوضع كل رجل يده على رأسه فإذا عليه تراب ثم جعلوا يطلعون فيرون علياً على الفراش مستجياً برد الرسول صلى الله عليه وسلم فيقولون والله إن هذا لمحمد نائم عليه برده فلم يزالوا كذلك حتى أصبحوا فقام علي من الفراش فقالوا صدقنا الذي كان حدثنا وفي هذا نزل قوله تعالى [ وَإذ يَمكُرُ بِكَ الذِينَ كَفَرَوا لِيُثبِتُوك أَو يَقتُلُوكَ ]الآيه...
 
لا تـجزعن فبعدَ عسر تيسير وكل شي له وقت وتقدير
وللـمقـدر في أحـوالنا نـظــر وفـوق تـدبـيرنا لله تدبير
 
ثم أذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في الهجرة . قال ابن عباس بقوله تعالى [ وَقُل رَب أدخِلنِي مُدخَلَ صِدقٍ وَأخرِجنِي مُخرَجَ صِدَقٍ وَاجعَل لي مِن لَدُنكَ سُلطَاناً نَصِيراً ]. وأمره جبريل أن يستصحب أبابكر رضي الله عنه.
 
وروى الحاكم عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل من يهاجر معي قال أبو بكر الصديق وأخبر صلى الله عليه وسلم علياً بمخرجه وأمره أن يتخلف بعده حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس .

وروى الطبراني عن أسماء رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا بمكة كل يوم مرتين بكرة وعشية فلما كان يوم من ذلك جاءنا في الظهيرة فقلت يا أبت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتنعاً أي مغطياً رأسه في ساعة لم يكن يأتينا فيها , قال أبو بكر رضي الله عنه فدى أبي وأمي والله ماجاء به في هذه الساعة إلا أمر. قالت عائشة رضي الله عنها فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له أبو بكر فدخل فتنحى أبو بكر عن سريره وجلس عليه رسول صلى الله عليه وسلم فقال لأبي بكر أخرج من عندك فقال أبو بكر إنما هم أهلك يعني عائشة وأسماء . في رواية فقال أبو بكر لاعين عليك إنما هما ابنتاي فقال صلى الله عليه وسلم فإنه قد أذن لي في الخروج فقال أبو بكر الصحبة بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم نعم قالت عائشة رضي الله عنها فرأيت أبابكر يبكي وما كنت أحسب أحداً يبكي من الفرح فقال أبو بكر فخذ بأبي أنت وأمي يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين قال صلى الله عليه وسلم لا بل بالثمن . وفي رواية قال بثمنها إن شئت , وإنما أخذها بالثمن لتكون هجرته صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى بنفسه وماله رغبة منه عليه السلام وفي استكماله فضل الهجرة إلى الله تعالى , قالت عائشة فجهزناهما أحث أي أسرع الجهاز, وصنعنا لهما سفرة أي زاداً في جراب , زاد الواقدي أنه كان في السفرة شاة مطبوخة قالت فقطعت أسماء قطعة من نطاقها فربطت بها على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين تثنية نطاق بكسر النون وما يشد به الوسط . قالت عائشة رضي الله عنها ثم لحق الرسول صلى الله عليه وسلم وأبوبكر بغار ثور فكمنا فيه ثلاث ليال وهو جبل بمكة نزله ثور بن عبد مناة فنسب له. وروي أنهما خرجا من خوخة أي باب صغير لأبي بكر في ظهر بيته ليلاً إلى الغار .
 
وروي أن أبا جهل لقيهما فأعمى الله بصره عنهما حتى مضيا قالت أسماء بنت أبو بكر وخرج أبوبكر بماله خمسة آلاف درهم ولما فقدت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم طلبوه بمكة أعلاها وبعثوا القافة جمع قائف وهو الذي يعرف الأثر في كل وجه فوجد الذي ذهب جهة ثور أثره هناك فلم يزل يتبعه حتى انقطع الأثر لما انتهى إلى ثور وشق على قريش خروجه وجزعوا لذلك وجعلوا مائة ناقة لمن رده.
 
وروي أنه لما دخل الغار وأبو بكر معه أنبت الله على بابه الراءة وهي شجرة معروفة بأم غيلان فحجبت عن الغار أعين الكفار . وأن الله عز وجل أمر العنكبوت فنسجت على وجه الغار فعششتا على بابه وأن ذلك مما صد المشركين عنه وأن حمام الحرم من نسل تينك الحمامتين.
 
ثم أقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيهم وهراويهم وسيوفهم فجعل بعضهم ينظر في الغار فرأى حمامتين وحشيتين فرجع إلى أصحابه فقالوا له مالك فقال رأيت حمامتين وحشيتين فعرفت أنه ليس فيه أحد فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فعلم أن الله قد درأ عنه وقال آخر ادخلوا الغار فقال أمية بن خلف وما أربكم أي حاجتكم إلى الغار إن فيه لعنكبوتا أقدم من ميلاد محمد لو دخل لكسر البيض وتفسخ العنكبوت. وهذا أبلغ في الإعجاز من مقاومة القوم بالجنود , فتأمل كيف أظلت الشجرة المطلوب وأضلت الطالب وجاءت العنكبوت فسدت باب الطالب وحاكت وجه المكان فحاكت ثوب نسجها حتى عمي على القائف الطلب ولقد حصل لها بذلك الشرف وما أحسن قول ابن النقيب:
ودود القز إن نسجت حريراً             يـجـمـل لـبـسـه فـي كل شي
فـإن الـعـنـكـبـوت أجـل منها            بما نسجت على رأس النبي
 
وروى الشيخان عن أنس قال حدثني أبو بكر قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أن أحدهم نظر إلى قدمه لرآنا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( ما ظنك باثنين الله ثالثهما )) وذكر بعض أهل السير أن أبا بكر لما قال ذلك قال له رسول الله لو جاءونا ههنا لذهبنا من ههنا فنظر الصديق إلى الغار قج انفرج من الجانب الآخر وإذا البحر قد اتصل به وسفينة مشدودة إلى جانبه . إن الله على كل شي قدير.

وعن الحسن البصري بلاغاً أن أبا بكر ليلة انطلق معه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار كان يمشي بين يديه ساعة فسأله فقال اذكر الطلب فأمشي خلفك واذكر الرصد فأمشي أمامك فقال لو كان شيء أحببت تقتل دوني قال أي والذي بعثك بالحق فلما انتهينا إلى الغار قال مكانك يا رسول الله أستبرئ لك الغار فاستبرأه فجعل يلتمس بيده فكلما رأى حجراً قطع من ثوبه والقمه الجحر حتى فعل ذلك بثوبه أجمع . فبقي جحر فوضع عقبه عليه لئلا يخرج ما يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع رأسه في حجر أبي بكر ونام فلُدغ أبوبكر في رجله من الحجر ولم يتحرك لئلا يوقظ المصطفى صلى الله عليه وسلم فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما لك يا أبا بكر قال لدغت فداك أبي وأمي فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بريقه مكان اللدغة فذهب ما يجده. ولقد أحسن حسان بن ثابت رضي الله عنه حيث قال :
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد طاف العدو به إذ صاعد الجبلا
وكان حب رسـول الله قـد عـلـمـو مـن الـخـلائـق لـم يعدل به بدلا
 
وكان خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة يوم الخميس وخرج من الغار ليلة الإثنين لأنه أقام فيه ثلاث ليال وذلك من أول ربيع الأول ودخل المدينة يوم الجمعة لثنتي عشرة ليلة خلت منه.
 
حكي أن زاهداً من الزهاد اسمه زكريا مرض مرضاً شديداً ودنا وقت أجله فأتاه صديقه في سكرات الموت ولقنه لا إله إلا الله محمد رسول الله فأعرض الزاهد بوجهه ولم يقل فقال ثانياً فأعرض , فقال له ثالثاً فقال لا أقول فغشي على صديقه فلما كان بعد ساعة وجد الزاهد خفة ففتح عينيه فقال هل قلتم لي شيئاً قالوا نعم عرضنا عليك الشهادة ثلاثاً فأعرضت في مرتين وقلت في الثالثة لا أقول فقال أتاني إبليس عليه اللعنة ومعه قدح من الماء ووقف عن يميني وهو يحرك القدح فقال أتحتاج إلى الماء قلت بلى قال قل عيسى ابن الله فأعرضت عنه أتاني من قبل رجلي فقال لي كذلك فأعرضت عنه وفي الثالثة قال لي كذلك فقلت لا أقول فضرب القدح على الأرض وولى هارباً فأنا رددت على إبليس لا عليكم فأنا اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله.
 
وروي عن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله قال سأل بعضهم ربه أن يريه موضع الشيطان من قلب آدم فرأى في النوم جسد رجل شبه البلور يرى داخله من خارجه وراى الشيطان في صورة ضفدع قاعد على منكبه الأيسر بين منكبه وأذنه وخرطوم طويل ودقيق أدخله من منكبه الأيسر إلى قلبه يوسوس إليه فإذا ذكر الله تعالى خنس.
اللهم لا تسلط علينا شيطاناً مريداً ولا إنساناً حسوداً وأعنا على ذكرك وشكرك وصلى الله وسلم على خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين .

(( وقل ربي زدني علماً ))

الأحد، 7 نوفمبر 2010

فــي الأمــر بـالمـعـروف والـنـهـي عـن المـنـكـر

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من صلى علي مرة خلق الله تعالى من نفس المصلي غمامة بيضاء ثم يأمرها الله تعالى أن تأخذ من بحر الرحمة فتأخذ ثم يأمرها الله تعالى أن تمطر فإذا أمطرت فأي قطرة قطرت على الأرض يخلق الله الذهب منها وأي قطرة قطرت على كافر رزقه الله تعالى الإيمان )).


قال تعالى [ كُنتُم خَيرَ أُمةٍ أُخرِجَت للِناسِ ]. قال الكلبي هذه الآيه تتضمن بيان حال هذه الأمة في الفضل على غيرها من الأمم وفيها دليل على أن هذه الأمة الإسلامية خير الأمم على الإطلاق وأن كانت متفاضلة في ذاتها كما ورد في فضل الصحابة على غيرهم . ومعنى أخرجت أي أظهرت للناس أي لنفعهم ومصالحهم في جميع الأعصار حتى تميزت وعرفت وقال تعالى [ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتَؤمِنُونَ باللهِ ] كلام مستأنف يتضمن بيان كونهم خيراً مع ما يشتمل عليه من أنهم خير أمة طالما أقاموا على ذلك واتصفوا به فإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر زال عنهم ذلك فجعلهم الله خير الناس لأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقاتلون الكفار ليسلموا فترجح منفعتهم على غيرهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( خير الناس من ينفع الناس وشر الناس من يضر الناس )). (( تؤمنون بالله )) أي تصدقون بتوحيد الله وتثبتون على ذلك وتقرون أن محمداً نبي الله لأن من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم لم يؤمن بالله لأنه يزعم أن الآيات المعجزات التي أتى بها من عند نفسه . وقال صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان . يعني أضعف فعل أهل الإيمان . قال بعضهم التغيير باليد للأمراء وباللسان للعلماء وبالقلب للعوام. وقال بعضهم كل من يقدر على ذلك فالواجب عليه أن يغيره كما قال الله تعالى [ وتَعَاوَنُوا عَلى البر والتقوَى وَلَا تَعَاوَنُواعلى الإثمِ وَالعُدوانِ ] الآيه.... ومن التعاون الحث عليه وتسهيل طرق الخير إليه وسد الشرور والعدوان بحسب الإمكان. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر : (( من انتهر صاحب بدعة ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً ومن أهان صاحب بدعه أمنه الله يوم الفزع الأكبر ومن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في الأرض وخليفة كتابه وخليفة رسوله )).


عن حذيفة رضي الله عنه قال يأتي على الناس زمان لأن تكون فيهم جيفة حمار أحب إليهم من مؤمن يأمرهم وينهاهم . قا ل موسى عليه السلام يا رب ما جزاء من دعا أخاه وأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر , قال أكتب له بكل كلمة عبادة سنة وأستحي أن أعذبه بناري. وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل ( يا ابن آدم لا تكن ممن يؤخر التوبة ويطول الأمل ويرجع إلى الآخرة بغير عمل يقول قول العابدين ويعمل عمل المنافقين إن أعطي لم يقنع وإن منع لم يصبر ويحب الصالحين وليس منهم ويبغض المنافقين وهو منهم يأمر بالخير ولا يفعله وينهى عن الشر ولم ينته عنه ) .
وعن علي كرم الله وجهه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( سيأتي قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان نواقص العقل يقولون من قول خير البرية لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية )). وقال صلى الله عليه وسلم :((رأيت ليلة أسري بي إلى السماء رجالاً تُقرض شفاههم بمقاريض من النار قلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء خطباء أمتك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم)) كما قال الله تعالى في حقهم [ أتَأمُمُرونَ الناسَ بِالبِر وتَنسَونَ أَنفُسَكُم وَأنتُم تَتلُونَ الكِتابَ أفَلاَ تَعقِلُونَ ]. يعني تتلون كتاب الله ولا تعملون بما فيه فكانوا يأمرون بالصدقة ولا يتصدقون فيجب على المؤمنين أن يأمروا بالمعروف وينهون عن المنكر ولا ينسوا أنفسهم كما قال الله تعالى [ وَالمُؤمِنُونَ والمُؤمِناتُ بَعضُهُم أولياءُ بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَن المُنكَرِ وَيقِيمونَ الصلاَةَ ] الآيه .... فقد نعت المرمنين بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فالذي هجر الأمر بالمعروف خارج عن هؤلاء المؤمنين المنعوتين في هذه الآية . وقد ذم الله أقواماً بترك الأمر بالمعروف فقال [ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوَنَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوهُ] يعني لا ينهى بعضهم بعضاً قال تعالى [ لَبِئسَ ما كانُوا يَفعَلُونَ ].


روي عن أبو الدرداء رضي الله عنه أنه قال لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم سلطاناً ظالماً لا يجل كبيركم ولا يرحم صغيركم ويدعو خياركم فلا يستجاب لهم ويستنصرون فلا ينصرون ويستغفرون فلا يغفر لهم . وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( عذب الله أهل قرية فيها ثمانية عشر ألفاً عملهم عمل الأنبياء قالوا يا رسول الله كيف؟ قال لم يكونوا يغضبون لله ولا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر )). وقال وقال أبو ذر الغفاري قال أبو بكر رضي الله عنهما يا رسول الله هل من جهاد غير قتال قتال المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( نعم يا أبابكر إن لله مجاهدين في الأرض أفضل من الشهداء أحياء مرزوقين يمشون على الأرض يباهي الله  بهم ملائكة السماء وتزين لهم الجنة كما تزينت أم سلمة لرسول الله فقال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله ومن هم قال الآمرون بالمعروف والنهون عن المنكر والمحبون في الله والمبغضون في الله ثم قال والذي نفسي بيده إن العبد ليكون في الغرفة فوق الغرفات فوق غرف الشهداء لكل غرفة منها ثلثمائة باب منها الياقوت والزمرد الأخضر , على كل باب نور وإن الرجل منهم ليتزوج بثلثمائة ألف حوراء قاصرات الطرف عين كلما التفت إلى واحدة منهن فنظر إليها تقول أتذكر يوم كذا وكذا أمرت فيه بالمعروف ونهيت عن المنكر وكلما ألتفت إلى واحدة منهن ذكرت له مقاماً أمر فيه بالمعروف ونهى عن المنكر )).


وفي الخبر أن الله تعالى قال (( يا موسى هل عملت لي عملاً قط قال إلهي صليت لك وصمت لك وتصدقت لأجلك وسجدت لك وحمدت لك وقرأت كتابك وذكرتك , قال الله تعالى يا موسى أما الصلاة فهي برهان وأما الصوم فلك جنة وأما الصدقة فلك ظل وأما التسبيح فلك أشجار في الجنة وأما قراءة كتابي فلك حور وقصور وأما الذكر فلك نور فأي عمل عملت لي قال موسى عليه السلام دلني يا رب على عمل أعمله لك قال يا موسى هل واليت لي ولياً قط وهل عاديت لي عدواً قط فعلم موسى أن أفضل الأعمال الحب لله والبغض لله لأعدائه )). وقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قلت يا رسول الله :(( أي الشهداء أكرم على الله عز وجل : قال رجل قام إلى والٍ جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فقتله فإن لم يقتله فإن القلم لا يجري عليه بعد ذلك وإن عاش ما عاش)). وقال الحسن البصري رحمه الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( أفضل شهداء أمتي رجل قام إلى إمام جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فقتله على ذلك فذلك الشهيد منزلته في الجنة بين حمزة وجعفر )).


أوحى الله إلى يوشع بن نون عليه السلام أني مهلك من قومك أربعين الفاً من خيارهم وستين ألفاً من شرارهم فقال يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار قال : إنهم لم يغضبوا لغضبي وواكلوهم وشاربوهم . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :(( قلنا يا رسول الله ألا نأمر بالمعروف حتى نعمل به كله ولا ننهى عن المنكر حتى نجتنبه كله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم بل مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كله وانهوا عن المنكر وإن لم تجتنبوه كله )).


(( وقل ربي زدني علماً ))  

الخميس، 4 نوفمبر 2010

فــي إتــمــام الــصلاة بالـخـضـوع والـخـشـوع

قال الله تعالى [ قَد أفلَحَ المُؤمِنُونَ * الذِينَ هُم في صَلاتِهِم خاشِعُونَ ] إعلم أن الخشوع منهم من جعله من أفعال القلوب كالخوف والرهبة ومنهم من جعله من أفعال الجوارح كالسكون وترك الالتفات والعبث . وقد اختلفوا في الخشوع هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها على قولين . واستدل من قال بالأول بحديث : (( ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل )). وقوله تعالى [ وأقِمِ الصلاةَ لِذِكرِي ] والغفلة تضاد الذكر ولهذا قال تعالى [ ولا تَكنُ مِنَ الغَافِلينَ ] .

أخرج البيهقي عن محمد ابن سيرين قال نبئت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره في السماء فنزلت الآيه . وزاد البيهقي عن أبي هريرة كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزلت الآية فطأطأ رأسه .

وروي عن أبو الحسن البصري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار على باب أحدكم كثير الماء يغتسل فيه كل يوم خمس مرات فهل يبقى عليه من الدرن من شي ؟)) يعني أن الصلوات تطهر الذنوب ولا تبقي منها شيئاً فيما دون الكبائر وهذا إذا صلى بخشوع وحضور قلب وإلا فهي مردودة عليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من صلى ركعتين لم يحدث نفسه فيها بشئ من الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه )). وقال صلى الله عليه وسلم (( إنما فرضت الصلاة وأمر بالحج والطواف وأشعرت المناسك لإقامة ذكر الله تعالى فإذا لم يكن في قلبك المذكور الذي هو المقصود والمبتغي عظمة ولا هيبة فما قيمة ذكرك )) . وقال صلى الله عليه وسلم (( من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً )). وقال بكر بن عبدالله يا ابن آدم إذا شئت أن تدخل على مولاك بغير إذن وتكلمه بلا ترجمان دخلت , قيل وكيف ذلك قال تسبغ الوضوء وتدخل محرابك فإذا أنت دخلت على مولاك بغير إذن فتكلمه بغير ترجمان .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا اشتغالاً بعظمة الله عزوجل . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه )). وكان إبراهيم الخليل عليه السلام إذا قام إلى الصلاة يسمع وجيب قلبه على ميلين . ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال (( لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه )).

وروي أن علياً كرم الله وجهه كان إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه فيقال له مالك يا أمير المؤمنين فيقول جاء وقت أمانة عرضها الله على السموات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها . 


عن الحسن البصري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( ألا أخبركم بأسوأ الناس سرقة قالوا من هو يا رسول الله قال الذي يسرق من صلاته قالوا وكيف يسرق من صلاته قال لا يتم ركوعها ولا سجودها )). قال صلى الله عليه وسلم (( أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإن كان قد أتمها هون عليه الحساب وإن كان أنتقص منها شيئاً قال الله تعالى لملائكته هل لعبدي من تطوع فأتموا الفريضة منه )). وقال صلى الله عليه وسلم (( ماأعطي عبد عطاء خيراً من أن يؤذن له في ركعتين يصليهما )). 
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أراد القيام إلى الصلاة ترتعد فرائصه وتصطك أسنانه فقيل له في ذلك قال حان وقت الأمانة وقضاء الفريضة ولا أدري كيف أؤديها .


   (( وقــل ربـي زدنـي عـلـمــاً ))

الأربعاء، 3 نوفمبر 2010

فــي الأمـــانــة

قال تعالى [ إنا عَرَضنَا الأمَانَةَ عَلى السماواتِ وَ الأرضِ وَ الجِبَالِ فَأبَينَ أَن يَحمِلنَها ]<سورة الاحزاب>  أي امتنعن عن قبولها [ وَأشفَقنَ مِنها ] أي خفن من الأمانة أن لا يؤدينها فيلحقهن العقاب أو خفن من الخيانة فيها . ومعنى الأمانة في هذه الآيه الطاعة والفرائض التي يتعلق بأدائها الثواب والعقاب. قال القرطبي في الأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال وهو قول الجمهور واختلف في تفاصيل بعضها. فقال ابن مسعود هي أمانة الأموال كالودائع وغيرها .

وروي عنه انها في كل الفرائض وأشدها أمانة أمانة المال وقال أبو الدرداء غسل الجنابة أمانة . وقال ابن عمر أول ما خلق الله من الانسان فرجه وقال هذه امانة استودعتكها فلا تلبسها إلا بحق فإن حفظتها حفظتك . فالفرج أمانة والأذن أمانة والعين واللسان والبطن واليد والرجل أمانة ولا إيمان لمن لا أمانة له .


وقال الحسن إن الأمانة عرضت على السموات والأرض والجبال فاضطربت وما فيها فقال لها إن أحسنت أجرتك وإن أسأت عذبتك فقالت لا. قال مجاهد فلما خلق الله آدم عرضها عليه فحملها ولا يخفى عرض هذه الأمانة على السموات والأرض والجبال عرض تخيير لا إلزام. ولو ألزمهن لم يمتنعن من حملها. وأن التكليف أمر عظيم تعجز عنه السموات والأرض والجبال وقد كلفه الأنسان قال تعالى [ وحَمَلَهَا الإنسَانُ ] أي إلتزم بحقها آدم بعد عرضها عليه في عالم الذر عند خروج ذريته من ظهره وأخذ الميثاق عليهم وقال تعالى [ إنهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً ] أي هو في ذلك الحمل ظلوم لنفسه جهول بقدر ما دخل فيه أو جهول بأمر ربه . وعن ابن عباس قال عرضت الأمانة على آدم فقيل خذها بما فيها فإن أطعت غفرت لك وإن عصيت عذبتك قال قبلتها بما فيها فما كان إلا ما بين العصر وإلى الليل من ذلك اليوم حتى أكل من الشجرة لولا أن تداركه الله برحمته فتاب عليه وهدُي. الأمانة مشتقة من الإيمان فمن حفظ أمانة الله حفظ الإيمان قال صلى الله عليه وسلم (( لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له )) .


قال الشاعر : 
تباً لمن رضي الخيانة مـهـيـعـاً         وازور عن صون الأمانة جانبه 
رفض الديانة والمروءة فاغتدي         تترى عليه من الزمان مصائبه

وقال آخر :
أخلق بمن رضي الخيانة شيمة         أن لا يرى إلا صريع حوادثِ
مازلـت الأرزاء يـنـزل بـؤسها         أبـداً بــغــادر ذمــة أو نـاكـث

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يطبع المؤمن على كل خلق ليش الخيانة والكذب )). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك )).

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان )) . أي إذا ائتمنه احد بكلمة خانه بإفشائها للناس أو بوديعة خانه بإنكارها وعدم حفظها واستعمالها بغير إذنه . فحفظ الأمانة صفة الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين وشيمة الأبرار المتقين . قال تعالى [ إن اللهَ يأمُرُكُم أن تُؤَدوا الأَماناتِ إلى أهلِها ] قال المفسرون هذه الآيه مشتملة على كثير من أمهات الشرع والمخاطب بها عموم المكلفين الولاة وغيرهم فيجب على الولاة إنصاف المظلوم وإظهار حقه وذلك أمانة حفظ أموال المسلمين لا سيما اليتامى .
ويجب على الوالد رعاية ولده بحسن التأديب إذ هو أمانة عنده . قال صلى الله عليه وسلم : (( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )).


وفي زهر الرياض يوتى بالعبد يوم القيامة بين يدي الله تعالى فيقول الله تعالى : أرددت أمانة فلان فيقول لا فيأمر الله تعالى ملكاً فيأخذه بيده وينطلق به إلى جهنم ويريه الأمانة بعينها في قعر جهنم فيهوى فيها سبعين عاماً حتى ينتهي إلى قعرها ثم يصعد بالأمانة فإذا بلغ أعلى جهنم زلت قدمه فهوى فيها , كذلك ثم يصعد ثم يهبط وهكذا حتى يدركه لطف ربه بشفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم فيرضى عنه صاحب الأمانة.

وروي عن سلمة قال بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنازة ليصلي عليها : (( قال هل عليه دين قالوا لا فصلى عليه ثم أتى بجنازة أخرى فقال عليه دين قالوا نعم قال فهل ترك شيئاً فقالوا ثلاث دنانير فصلى عليها ثم أتى بثالثة فقال هل عليه دين قالوا نعم فقال صلى الله عليه وسلم هل ترك شيئاً قالوا لا قال صلوا على صاحبكم )) . عن قتادة رضي الله عنه قال (( قال رجل يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر يكفر الله عني خطاياي قال نعم فلما أدبر الرجل ناداه فقال يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا الدين )).     


 (( وقل ربي زدني علماً ))

الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

فـــي ذكــــر إبـــلــيــس وعـــذابـــه ووصـــفــــه

قال الله سبحانه وتعالى [ فَإن تَوَلوا ] أي أعرضوا عن طاعة الله ورسوله قال تعالى [ فإن الله لا يحب الكافرين ] يعني لا يغفر لهم ولا يقبل توبتهم كما لم يقبل توبة إبليس لكفره وإستكباره . وتاب على آدم عليه السلام وقبل توبته لانه أقر على نفسه بالذنب وندم عليه ولام نفسه وهذا وإن لم يكن ذنباً حقيقة لأن الانبياء معصومون لا تقع منهم المعصية أبداً لا قبل النبوة ولا بعدها على الصحيح لكنه على صورة ذنب ولذلك قال هو وحواء عليهما السلام [ رَبنا ظَلَمنا أنفُسَنا وإن لم تَغفِر لَنَا وَتَرحَمنا لَنَكُونَن مِنَ الخاسِرِينَ ] فندم عليه السلام وأسرع بالتوبة ولم يقنط من رحمة الله تعالى كما قال الله تعالى [ لَا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ اللهِ ] وإبليس لم يقر على نفسه بالذنوب ولم يندم عليها ولم يلم نفسه ولم يسرع بالتوبة وقنط من رحمة الله تعالى وتكبر . فمن كان حاله مثل حال إبليس لم تقبل توبته , ومن كان حاله مثل حال آدم عليه السلام قبل الله توبته لأن كل معصية أصلها من الشهوة فإنه يرجى غفرانها وكل معصية أصلها من الكبر فإنه لا يرجى غفرانها ومعصية آدم أصلها من الشهوة ومعصية إبليس أصلها من الكبر.




حكي أن إبليس جاء إلى موسى عليه السلام فقال له أنت الذي اصطفاك الله برسالته وكلمك تكليماً ؟ فقال له موسى نعم فما الذي تريد يا هذا ومن أنت ؟ فقال إبليس يا موسى قل لربك خلقٌ من خلقك قد سألك التوبة , فأوحى الله إلى موسى قل له إني قد إستجبت لك فيما سألت ومره أن يسجد لقبر آدم فإذا سجد له قبلت توبته وغفرت له ذنوبه فأخبره موسى فغضب إبليس واستكبر وقال يا موسى انا لم أسجد له في الجنة فكيف أسجد له وهو ميت.




روي أن إبليس يشتد عليه العذاب في النار فيقال له كيف وجدت عذاب الله ؟ فيقول أشد مايكون فقال له إن آدم في رياض الجنة فاسجد له واعتذر حتى يغفر لك فيأبى فيشتد عليه العذاب بقدر عذاب أهل النار سبعين ألف ضعف . وجاء في الخبر أن الله تعالى يخرج إبليس من النار كل مائة الف سنة ويخرج آدم فيأمره بالسجود له فيأبى ثم يرده إلى النار.
إخواني إن أردتم النجاة من إبليس فاعتصموا بالمولى واستعيذوا به . إذا كان يوم القيامة يوضع كرسي من النار فيقعد عليه إبليس عليه اللعنة فتجتمع الشياطين والكفار عنده وله صوت كصوت الحمار ينهق ويقول ياأهل النار كيف وجدتم اليوم ما وعد ربكم قالوا حقاً ثم يقول هذا يوم أيست فيه من الرحمة فيأمر الله تعالى الملائكة أن يضربوه ومن تبعه بمقامع من نار فيهوون فيها أربعين سنة فلا يسمعون الأمر بالخروج أبد الأبد نعوذ بالله منها . وورد أنه يؤتى بإبليس يوم القيامة فيؤمر به أن يجلس على كرسي من نار وعلى عنقه طوق اللعنة ويأمر الله عز وجل الزبانية أن يجروه عن الكرسي ويلقوه في النار فيتعلقون به ليلقوه فلا يقدرون ثم يأمر الله تعالى جبريل مع ثمانين ألف ملك فلا يقدرون ثم يأمر إسرافيل ثم عزرائيل أيضاً ومع كل واحد منهما ثمانون ألف ملك فلا يقدرون فيقول الله تعالى لهم لو أجتمع عليه أضعاف ما خلقت من الملائكة لما قدروا على أن ينقلوه وطوق اللعنة على عنقه .




وروي أن إبليس كان إسمه في سماء الدنيا العابد والثانية الزاهد والثالثة العارف والرابعة الولي والخامسة التقي والسادسة الخازن وفي السابعة عزازيل وفي اللوح المحفزظ إبليس وهو غافل عن عاقبة أمره فأمره الله أن يسجد لآدم فقال أتفضله علي وأنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين فقال تعالى أنا أفعل ما أشاء فرأى لنفسه شرفاً فولى آدم ظهره أنفة وكبراً وانتصب قائماً إلى أن سجدت الملائكة المدة المارة فلما رفعوا رؤوسهم ورأوه لم يسجد وهم قد وقفوا للسجود سجدوا ثانياً شكراً وهو قائم يرى معرضاً عنهم غير عازم على الاتباع ولا نادم على الامتناع فمسخه الله من الصورة البهية فنكسه كالخنزير وجعل رأسه كرأس البعير وصدره كسنام الجمل الكبير ووجهه بينهما كوجه القرد وعينيه مشقوقتين في طول وجهه ومنخريه مفتوحتين ككوز الحجام وشفتيه كشفتي الثور وأنيابه خارجة كأنياب الخنزير وفي لحيته سبع شعرات وطرده من الجنة بل من السماء بل من الأرض إلى الجزائر فلا يدخل الشيطان الأرض إلا خفية ولعنه إلى يوم الدين لأنه صار من الكافرين . انظر كان بهي الصورة رباعي الأجنحة كثير العلم كثير العبادة طاووس الملائكة وأعظمهم , سيد الكروبيين إلى غير ذلك فلم يغن ذلك عنه شيئاً , إن في ذلك لذكرى.

وفي الأثر لما مكر بإبليس بكى جبريل وميكائيل فقال الله لهما : ما يبكيكما قالا ربنا ما أمنا مكرك فقال الله تعالى هكذا كونا لا تأمنا مكري . قال تعالى [ فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ] .



وروي أن إبليس قال رب أخرجتني من الجنة لآجل آدم وأنا لا أقدر عليه إلا بتسليطك قال أنت مسلط عليه أي على أولاده لعصمة الأنبياء منه قال زدني قال لا يولد له ولد إلا ولد لك مثلاه قال زدني قال صدورهم مساكن لك تجري فيها مجرى الدم قال زدني قال أجلب عليهم بخيلك ورجلك أي استعن بأعوانك من راكب وماش وشاركهم في الأموال أي بحملهم على كسبها وصرفها في الحرام والأولاد أي بالحث على التوصل إليهم بالسبب المحرم كالوطء في الحيض والإشراك فيهم بتسميتهم بنحو عبد العزى والتضليل بالحمل على الاديان الباطلة والحرف الذميمة والأفعال القبيحة وعدهم المواعيد الباطلة كشفاعة الآلهة والاتكال على كرامة الآباء وتأخير التوبة بطول الأمل وهذا على طريق التهديد كاعملوا ما شئتم فقال آدم يا رب قد سلطته علي فلا أمتنع منه إلا بك قال لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظه من الملائكة قال زدني قال الحسنة بعشر أمثالها قال زدني قال أغفر لهم ولا أبالي قال أكتفيت فقال إبليس يا رب جعلت في بني آدم الرسل وأنزلت عليهم الكتب فما رسلي قال الكهان قال فما كتبي قال الوشم قال فما حديثي قال الشعر قال فما مؤذني قال المزمار قال فما مسجدي قال الأسواق قال فما بيتي قال الحمام قال فما طعامي قال الذي لايذكر عليه اسمي قال فما شرابي قال السكر قال فما مصايدي قال النساء انتهى.

                   (( وقل ربي زدني علماً ))
  

الاثنين، 1 نوفمبر 2010

فـــي طاعة الله ومحبته ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى [ قُل إن كُنتُم تُحِبُونَ الله فاتبعُوني يُحبِبكُمُ اللهُ ]<التحريم> إعلم رحمك الله أن محبة العبد لله ولرسوله طاعته لهما واتباعه أمرهما ومحبة الله للعباد إنعامه عليهم بالغفران. قيل العبد إذا علم أن الكمال الحقيقي ليس إلا لله وان كل ما يراه كمالاً من نفسه أو من غيره فهو من الله وبالله لم يكن حبه إلا لله وفي الله وذلك يقتضي إرادة طاعته والرغبة فيما يقر به إليه فلذلك فسرت المحبة بإرادة الطاعة وجعلت مستلزمة لإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم يا محمد إنا لنحب ربنا فأنزل الله تعالى هذه الآيه.

وعن بشر الحافي رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال يا بشر أتدري بما رفعك الله من بين اقرانك قلت لا يا رسول الله قال بخدمتك للصالحين ونصيحتك لإخوانك ومحبتك لأصحابك وأهل سنني واتباعك لسنتي, قال صلى الله عليه وسلم من أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي يوم القيامة في الجنة .

وجاء في الآثار المشهورة أن المتمسك بسنة الخلائق والمرسلين عند فساد الخلق واختلاف المذاهب له أجر مائة شهيد كذا في شرعة الإسلام .
قال صلى الله عليه وسلم : كل أمتي يدخلون الجنة إلى من أبى قالوا من أبى قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى كل عمل ليس على سنتي فهو معصية . وقال بعضهم لو رأيت شيخاً يطير في الهواء أو يمشي على البحر أو يأكل من النار أو غير ذلك وهو يترك فرضاً من فرائض الله تعالى أوسنة من السنن عامدً فاعلم انه كذاب في دعواه وليس فعله من كرامة بل هو استدراج نعوذ بالله منه . قال الجنيد رحمه الله ما وصل احد الى الله إلا بالله والسبيل للوصول إلى الله متابعة المصطفى صلى الله عليه وسلم. وقال الحواري رحمه الله كل عمل بغير اتباع السنة فباطل كما قال صلى الله عليه وسلم من ضيع سنتي حرمت عليه شفاعتي .... كذا في شرعة الإسلام.

وقال الفضيل رحمه الله إذا قيل لك أتحب الله فأسكت فإنك إذا قلت لا كفرت وإذا قلت نعم فليس وصفك وصف المحبين فاحذر المقت. وقال سهل رحمه الله علامة حب الله حب القرآن , وعلامة حب الله وحب القرآن حب الرسول صلى الله عليه وسلم, وعلامة حبه صلى الله عليه وسلم اتباع سنته, وعلامة حب السنة حب الآخره , وعلامة حب الآخره بغض الدنيا أن لا يأخذ منها إلا زاداً وبلغة إلى الآخرة . قال أبو الحسن أصل العبادة على ثلاثة أركان العين والقلب واللسان فالعين بالعبرة والقلب بالفكرة واللسان بالصدق والتسبيح والذكر كما قال الله تعالى [ اذكُرُوا الله ذِكراً كَثِيراً * وسَبَحوُهُ بُكرَةً وَأصِيلاً ] يعني غدوا وعشيا .

حكي أن رجلاً اشترى غلاماً فقال الغلام يا مولاي إن معك ثلاثة شروط أحدها أن لا تمنعني عن الصلاة المكتوبة إذا جاء وقتها , والثاني أن تأمرني بالنهار ولا تأمرني بالليل , والثالث أن تجعل منزلاً في بيتك لا يدخله غيري , فقال له الرجل لك هذه الشروط ثم قال الرجل أنظر في البيوت فطاف فوجد فيها بيتاً خراباً فقال الغلام أخذت هذا يا مولاي فقال يا غلام اخترت بيتاً خراباً فقال الغلام يا مولاي أما علمت أن الخراب مع الله بستان , فكان يخدم مولاه بالنهار ويتفرغ بالليل للعبادة فبينما هو كذلك إذ طاف مولاه ذات ليله في الدار فبلغ حجرة الغلام فإذا هي منورة والغلام ساجد والغلام يناجي ربه ويتضرع ويقول يا آلهي أوجبت علي حق مولاي وخدمته بالنهار , ولولا ذلك ما اشتغلت ليلي ولا نهاري إلا بخدمتك فاعذرني يارب ومولاه ينظر إليه حتى انفجر الصبح واخبر الرجل امرأته بذلك . فلما كانت الليلة الثانية أخذ بيد امرأته وجاء إلى باب الحجرة فإذا الغلام في السجود فوقفا على الباب ينظران إليه ويبكيان حتى أصبحا فدعا الغلام فقال له أنت عتيق لوجه الله تعالى حتى تتفرغ لعبادة من كنت تعتذر إليه فرفع يديه في السماء وقال:

يا صاحب السر إن السر قد ظهرا       ولا أريد حياتي بعدما اشتهرا

ثم قال إلهي أسألك الموت فخر الغلام ميتاً ... هكذا أحوال الصالحين والعاشقين والطالبين.

وفي زهر الرياض أن موسى عليه السلام كان له صديق يأنس به فقال ذات يوم يا موسى ادع الله أن يعرفني إياه حق معرفته فدعا موسى عليه السلام فاستجيب له فلحق صاحبه بالجبال وفقده موسى عليه السلام فقال يارب أخي ومؤنسي فقدته فقيل له يا موسى من عرفني حق معرفتي لا يصحب مخلوقاً ابداً. ويقال صدق المعرفة أن يطلق الدنيا والعقبى ويتجرد للمولى وأن يسكر من شراب المحبة فلا يصحوا إلا عند الرؤية فهو على نور من ربه.

                 (( وقل ربي زدني علماً )) 

  

حِكَم لقمان عليه السلام

قال تعالى : [ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ] .

وقال تعالى : [ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ] .

وصايا لقمان لابنـــه

يا بني : ما ندمت على السكوت قط .

يا بني : اعتــزل الشر يعتزلك ، فإن الشر للشــر خلق ..

يا بني : عود لسانك : اللهم اغفر لي ، فإن لله ساعات لا يـــرد فيها سائـــلاً .

يا بني : اتخذ طاعة الله تجارة تأتيك الأربــاح من غير تجـــارة ..

يا بني : لا تكثر النوم والأكل ، فإن من أكثر منهما جاء يوم القيامة مفلسا من الأعمال الصالحة ..

يا بني : بئراً شربت منـــه ، لا تــــرمي فيه حجــــــراً ...

يا بني : عصفور في قدرك خير من ثــــور في قدْر غيرك ...

يا بني : شئيان إذا حفظتهما لا تبالي بما صنعت بعدهما دينك لمعادك ، ودرهمك لمعاشك .

يا بني : إنه لا أطيب من القلب واللسان إذا صلحــا ، ولا أخبث منهما إذا فسدا .

يا بني : لا تركن إلى الدنيا ولا تشغل قلبك بها فإنك لم تخلق لها ..

يا بني : لا تضحك من غير عجب ، ولا تسأل عما لا يعنيــك ..

يا بني : إنه من يرحم يُرحم ، ومن يصمت يسلم ، ومن يقل الخير يغنم ، ومن لا يملك لسانه يندم ..

يا بني : زاحم العلماء بركبتيك ، وأنصت لهم بأذنيك ، فإن القلب يحيا بنور العلماء .

يا بني : مررت على كثير من الأنبياء فاستفدت منهم عدة أشيــــــاء :

يا بني : إذا كنت في صلاة فاحفــــظ قلبك .

يا بني : وإذا كنت في مجلس الناس فاحفظ لسانك ..

يا بني: وإذا كنت في بيوت الناس فاحفظ بصرك ..

يا بني: وإذا كنت على الطعــام فاحفظ معدتك ..

يا بني : واثــنــتـــان لا تذكرهمـــا أبدأ :

إســـــــــــــاءة الناس إليك

--- وإحسانك للناس